ويظهر جليًّا أنَّ أوسع المذاهب في هذه المسألة مذهب الحنفيَّة؛ وذلك أنهم قالوا بجواز إخراج القيمة والعين، على حين منع الجمهور من إخراج القيمة، واستدل الحنفيَّة على جواز إخراج القيمة بأدلة، منها:
الدليل الأول: عن ابن عمر ﵄ أن رسول الله فرض زكاة الفطر وقال: «أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ» أخرجه الدارقطني والبيهقي (١).
ووجه الدلالة: أنَّ العلة في زكاة الفطر حصول الغنى للفقير، و «الإغناء يحصل بالقيمة بل أتم وأوفر؛ لأنها أقرب إلى دفع الحاجة»(٢).
الدليل الثاني: ما جاء في إعطاء القيمة عن بعض التابعين، قال الحسن البصري ﵀:«لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر»(٣)، وقال أبو إسحاق السبيعي ﵀:«أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام»(٤)،
(١) أخرجه الدارقطني في (كتاب زكاة الفطر) (٣/ ٨٩) رقم (٢١٣٣)، والبيهقي في السنن الكبرى في (كتاب الزكاة، باب وقت إخراج زكاة الفطر) (٨/ ٣١٠) رقم (٧٨١٤)، وهذه الزيادة تفرد بها أبو معشر، وهو ضعيف، قال البيهقي في الخلافيات (٤/ ٣٢٣): «هذا الخبر غير ثابت، وراويه أبو معشر نجيح السندي، وهو ممن اختلط في آخر عمره، وبقي في ذلك سنين حتى كثرت المناكير في روايته، وتعذر تمييزه، فبطل الاحتجاج به» وضعف الحديث: النووي وابن الملقن وابن حجر والألباني. انظر: معرفة علوم الحديث للحاكم (ص: ١٣٢)، الكامل في ضعفاء الرجال (٨/ ٣١١)، المجموع شرح المهذب (٦/ ١٢٦)، خلاصة البدر المنير (١/ ٣١٣)، بلوغ المرام من أدلة الأحكام (ص: ٢٥٠)، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (٣/ ٣٣٢). (٢) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ٧٣). وانظر: التجريد للقدوري (٣/ ١٢٤٨)، المبسوط للسرخسي (٣/ ١٠٧). ولأجل صار دفع القيمة -في غير الشدة- أفضل عند الحنفيَّة. قال ابن عابدين في حاشيته (٢/ ٣٦٦): «العلة في أفضلية القيمة كونها أعون على دفع حاجة الفقير». (٣) أخرجه ابن أبي شيبة في (كتاب الزكاة، فِي إِعطاء الدراهم فِي زكاة الفطر) (٦/ ٥٠٧) رقم (١٠٤٧١). (٤) أخرجه ابن أبي شيبة في (كتاب الزكاة، فِي إِعطاء الدراهم فِي زكاة الفطر) (٦/ ٥٠٧) رقم (١٠٤٧٤).