للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: الاستحباب. وهو مذهب الجمهور (١).

ويظهر هنا أنَّ الحنفيَّة أضيق من الحنابلة في هذا الفرع، وسبب قول الحنابلة بعدم وجوب الجهر والإسرار حديث أبي قتادة قال: «كان النبي يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة، ويسمعنا الآية أحيانًا» متفق عليه (٢).

ووجه الدلالة من الحديث قوله : (ويسمعنا الآية أحيانًا) إذ في هذا دلالة على عدم وجوب الإسرار (٣).

ويمكن أن يستدل لهم أيضًا بأن الأصل عند الحنابلة أنَّ هيئات الصلاة -كرفع اليدين حال التكبير، والقبض على اليدين حال القيام، والتورك حال الجلوس ونحوها- مستحبة لا واجبة؛ لأنَّ من جاء بالقراءة فقد جاء بأصل الواجب، وما زاد عليه فهو من قبيل السنن (٤).


(١) انظر: شرح الخرشي على مختصر خليل (١/ ٢٧٥)، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (١/ ٢٦١)، الحاوي الكبير (٢/ ١٤٩)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (٢/ ٥١)، الهداية على مذهب الإمام أحمد (ص: ٨٧)، كشَّاف القناع (١/ ٣٩٠).
(٢) أخرجه البخاري في (كتاب الأذان، باب القراءة في الظهر) (١/ ١٥٢) رقم (٧٥٩)، ومسلم في (كتاب الصلاة، باب القراءة فِي الظهر والعصر) (٢/ ٣٧) رقم (٤٥١).
(٣) قال النووي في المجموع شرح المهذب (٣/ ٣٨٦): «قوله يسمعنا الآية أحيانا؛ أي: في نادر من الأوقات. وهذا محمول على أنه لغلبة الاستغراق في التدبر يحصل الجهر بالآية من غير قصد، أو أنه فعله لبيان جواز الجهر، وأنه لا تبطل الصلاة ولا يقضي سجود سهو أو ليعلمهم أنه يقرأ أو أنه يقرأ السورة الفلانية».
(٤) عدَّ الحجاوي الجهر والإسرار من السنن لا الهيئات، قال البهوتي في كشاف القناع (١/ ٣٩٠): «قد تبع في ذلك المقنع وغيره، وناقش فيه بعض المتأخرين بأنَّهما هيئة للقول، لا قول ولذلك عدهما فيما يأتي من سنن الهيئات»، ولعل مراده ببعض المتأخرين المرداوي، فإنه قال في الإنصاف (٣/ ٦٧٩): «تنبيه: في عد المصنف [يريد ابن قدامة] الجهر وإلإخفات من سنن الأقوال نظر، فإنهما فيما يظهر من سنن الأفعال؛ لأنهما هيئة للقول لا أنهما قول».

<<  <   >  >>