وعليه فأضيق المذاهب في هذه المسألة من قال بوجوب التسبيح في الركوع والسجود، وهم الحنابلة. وقد استدلوا على هذه المسألة بأدلة، منها:
الدليل الأول: عن عقبة بن عامر ﵁، قال:«لما نزلت: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة: ٩٦] قال رسول الله ﷺ: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ، فلما نزلت: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى: ١] قال: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» أخرجه أبو داود وابن ماجه (١).
ووجه الدلالة: أمر النبي ﷺ في الحديث، إذ إن الأمر المطلق إذا عَرِيَ عن القرائن اقتضى الوجوب (٢).
الدليل الثاني: عن حذيفة ﵁ قال: «صلَّيتُ مع النبي ﷺ ذات ليلة … ثم ركع فجعل يقول: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ. فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال: سَمِعَ اللهُ
(١) أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده) (١/ ٣٢٤) رقم (٨٦٩)، وابن ماجه في (أبواب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب التسبيح فِي الركوع والسجود) (٢/ ٥٧) رقم (٨٨٧). والحديث فيه موسى بن أيوب وهو مختلف فيه -لا سيما في روايته عن عمه وهذا الحديث منها-، وموسى ضعَّفه ابن معين -في رواية عنه- والساجي والعقيلي، وقال عنه ابن حجر في التقريب: مقبول. ووثقه ابن معين -في رواية ثانية- وأبو داود وابن حبان والذهبي. وقد صحَّح الحديث: ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والنووي وابن الملقن والعيني. انظر: تاريخ ابن معين - رواية الدوري (٤/ ٤٢٩)، صحيح ابن خزيمة (١/ ٦٣٢)، صحيح ابن حبان (٥/ ٢٢٥)، مستدرك الحاكم (١/ ٢٢٥)، المجموع شرح المهذب (٣/ ٤١٣)، تهذيب الكمال: (٢٩/ ٣١)، الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة (٤/ ٣٥٨)، فتح الباري لابن رجب (٧/ ١٧٦)، البدر المنير (٣/ ٦٠٨) تهذيب التهذيب (٤/ ١٧١)، تقريب التهذيب (١/ ٩٧٨)، نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (٤/ ٢٦٥). (٢) انظر: العدة في أصول الفقه (١/ ٢٢٤)، التمهيد في أصول الفقه (١/ ١٤٥)، شرح الكوكب المنير (٣/ ٣٩).