وعليه فأضيق المذاهب في المسألة من قال بوجوب مسح الأذنين، وهم الحنابلة، وقد استدلوا على هذه المسألة بأدلة منها:
الدليل الأول: عن أبي أمامة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه (١).
ووجه الدلالة: أنَّ مسح الرأس -على ما تقدَّم- واجب بالإجماع، فإذا كانت الأذنان منه فمسحها واجب كذلك (٢).
(١) أخرجه أبو داود في (كتاب الطهارة، باب صفة وضوء النبي ﷺ (١/ ٥٠) رقم (١٣٤) والترمذي في (أبواب الطهارة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء أن الأذنين من الرأس) (١/ ٨٦) رقم (٣٧)، وابن ماجه في (أبواب الطهارة وسننها، باب الأذنان من الرأس) (١/ ٢٨٣) رقم (٤٤٤). وأُعل الحديث بعلتين: الأولى: الاختلاف في رفعه ووقفه، قال أبو داود عقب إخراج الحديث: «قال حماد: لا أدري هو من قول النبي ﷺ أو أبي أمامة»، والثانية: أنَّ مدار الحديث على شهر بن حوشب وقد تُكلِّم فيه. قال الترمذي عقب الحديث: «إسناد هذا الحديث ليس بالقائم». والحديث أعلَّه من غير ما تقدم: عبد الحق الإشبيلي والنووي وابن عبد الهادي وابن حجر. انظر: الأحكام الوسطى (١/ ١٧١)، خلاصة الأحكام (١/ ١١١)، المحرر في الحديث (ص: ١٠٥)، التلخيص الحبير (١/ ١٦٠). وقد روي الحديث عن جماعة من الصحابة ﵃ ولا تخلو جميعها من علة. قال البيهقي في الخلافيات (١/ ١٤٤): روي الحديث «بأسانيد كثيرة، ما منها إسناد إلا وله علة. روي ذلك عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة، وأنس بن مالك، وأبي أمامة الباهلي، وعبد الله بن زيد، وسمرة بن جندب، وروي ذلك عن عائشة بنت أبي بكر الصديق ﵃» ثم بيَّن البيهقي علة كل حديث منها. وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (١/ ١٧١): «روي عن أبي أمامة، وابن عباس، وأبي موسى، وأبي هريرة وابن عمر كلهم عن النبي ﷺ قال: (الأذنانِ منَ الرّأْسِ)، ولا يصحُّ منها كلها شيء». وروى حرب في مسائله (ص: ٢٤٠): «قلت لأحمد: فالأذنان من الرأس؟ قال: نعم. قلت: فيه شيء عن النبي ﷺ؟ قال: لا أعلم». وقد أشار ابن الصلاح في مقدمته (ص: ٣٣) إلى هذا الحديث في معرض الكلام على الحديث الذي لا يزول ضعفه بمجيئه من وجوه متعددة. (٢) انظر: الشرح الكبير على المقنع (١/ ٣٥٢).