شُرُوطُ الشُّفْعَة
كَوْنُ الْمَشْفُوعِ فِيهِ مَشَاعًا غَيْرَ مَقْسُوم
(خ) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: " قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ , فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ (١) وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ (٢) فلَا شُفْعَةَ (٣) " (٤)
(١) أَيْ: حَصَلَتْ قِسْمَة الْحُدُود فِي الْمَبِيع وَاتَّضَحَتْ بِالْقِسْمَةِ مَوَاضِعهَا , قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: وَالْحُدُود جَمْع حَدّ , وَهُوَ هُنَا مَا تَتَمَيَّز بِهِ الْأَمْلَاك بَعْد الْقِسْمَة , وَأَصْل الْحَدّ الْمَنْع , فَفِي تَحْدِيد الشَّيْء مَنْع خُرُوج شَيْء مِنْهُ , وَمَنْع دُخُول غَيْره فِيهِ. عون المعبود - (ج ٨ / ص ٩)
(٢) أَيْ: بُيِّنَتْ مَصَارِف الطُّرُق وَشَوَارِعهَا. عون المعبود (ج ٨ / ص ٩)
(٣) عون المعبود - (ج ٨ / ص ٩) قَالَ الْمُنَاوِيُّ: الْحُدُود جَمْع حَدّ , وَهُوَ الْفَاصِل بَيْن الشَّيْئَيْنِ , وَهُوَ هُنَا مَا يَتَمَيَّز بِهِ الْأَمْلَاك بَعْد الْقِسْمَة , فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُود أَيْ: بُيِّنَتْ أَقْسَام الْأَرْض الْمُشْتَرَكَة بِأَنْ قُسِّمَتْ وَصَارَ كُلّ نَصِيب مُنْفَرِدًا فَلَا شُفْعَة، لِأَنَّ الْأَرْض بِالْقِسْمَةِ صَارَتْ غَيْر مُشَاعَة , دَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَة تَخْتَصّ بِالْمُشَاعِ , وَأَنَّهُ لَا شُفْعَة لِلْجَارِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَقَالَ الْإِمَام الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيث أَبْيَن فِي الدَّلَالَة عَلَى نَفْي الشُّفْعَة لِغَيْرِ الشَّرِيك , فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا شُفْعَة فِي الْمَقْسُوم.
وَأَمَّا قَوْله - صلى الله عليه وسلم - " فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُود وَصُرِفَتْ الطُّرُق فَلَا شُفْعَة " فَقَدْ يُحْتَجّ بِكُلِّ لَفْظَة مِنْهَا قَوْم , أَمَّا اللَّفْظَة الْأُولَى فَفِيهَا حُجَّة لِمَنْ لَمْ يَرَ الشُّفْعَة فِي الْمَقْسُوم، وَأَمَّا اللَّفْظَة الْأُخْرَى فَقَدْ يُحْتَجّ بِهَا مَنْ يُثْبِتُ الشُّفْعَة بِالطَّرِيقِ , وَإِنْ كَانَ الْمَبِيع مَقْسُومًا , قَالَ الْخَطَّابِيّ: وَلَا حُجَّة لَهُمْ عِنْدِي فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ الطَّرِيق إِلَى الْمَشَاع دُون الْمَقْسُوم وَذَلِكَ أَنَّ الطَّرِيق تَكُون فِي الْمَشَاع شَائِعًا بَيْن الشُّرَكَاء قَبْل الْقِسْمَة، وَكُلّ وَاحِد مِنْهُمْ يَدْخُل مِنْ حَيْثُ شَاءَ , وَيُتَوَصَّل إِلَى حَقّه مِنْ الْجِهَات كُلّهَا، فَإِذَا قَسَّمَ الْعَقَار بَيْنهمْ مَنَع كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ أَنْ يَتَطَرَّق شَيْئًا مِنْ حَقّ صَاحِبه , وَأَنْ يَدْخُل إِلَى مِلْكه إِلَّا مِنْ حَيْثُ جُعِلَ لَهُ، فَمَعْنَى صَرْف الطُّرُق هُوَ وُقُوع الْحُدُود هُنَا , ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ عَلَّقَ الْحُكْم فِيهِ بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدهمَا وُقُوع الْحُدُود وَصَرْف الطُّرُق مَعًا , فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُثْبِتُوهُ بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ نَفْي صَرْف الطُّرُق دُون نَفْي وُقُوع الْحُدُود اِنْتَهَى كَلَامه.
وقال الحافظ في الفتح: وهَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي ثُبُوت الشُّفْعَة، وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الْحَدِيث ثُبُوت الشُّفْعَة فِي الْمُشَاع، وَصَدْره يُشْعِر بِثُبُوتِهَا فِي الْمَنْقُولَات، وَسِيَاقه يُشْعِر بِاخْتِصَاصِهَا بِالْعَقَارِ وَبِمَا فِيهِ الْعَقَار , وَقَدْ أَخَذَ بِعُمُومِهَا فِي كُلّ شَيْء مَالِك فِي رِوَايَة، وَهُوَ قَوْل عَطَاء , وَعَنْ أَحْمَد: تَثْبُت فِي الْحَيَوَانَات دُون غَيْرهَا مِنْ الْمَنْقُولَات , وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا " الشُّفْعَة فِي كُلّ شَيْء " وَرِجَاله ثِقَات إِلَّا أَنَّهُ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ، وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيث جَابِر بِإِسْنَادٍ لَا بَأس بِرُوَاتِهِ.
قَالَ عِيَاض: لَوْ اِقْتَصَرَ فِي الْحَدِيث عَلَى الْقِطْعَة الْأُولَى لَكَانَتْ فِيهِ دَلَالَة عَلَى سُقُوط شُفْعَة الْجِوَار، وَلَكِنْ أَضَافَ إِلَيْهَا صَرْف الطُّرُق، وَالْمُتَرَتِّب عَلَى أَمْرَيْنِ لَا يَلْزَم مِنْهُ تَرَتُّبه عَلَى أَحَدهمَا , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَم دُخُول الشُّفْعَة فِيمَا لَا يَقْبَل الْقِسْمَة، وَعَلَى ثُبُوتهَا لِكُلِّ شَرِيك , وَعَنْ أَحْمَد: لَا شُفْعَة لِذِمِّيٍّ. وَعَنْ الشَّعْبِيّ: لَا شُفْعَة لِمَنْ لَمْ يَسْكُن الْمِصْر. فتح الباري (ج ٧ / ص ٩٠)
(٤) (خ) ٢١٠٠ , (حم) ١٤١٩٠ , (د) ٣٥١٤ , (جة) ٢٤٩٩ , (ت) ١٣٧٠ , وصححه الألباني في الإرواء: ١٥٣٧