إكْرَامُ الضَّيْفِ مِنَ الْإيمَان
(خ م حم) , عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (١) فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ (٢) جَائِزَتَهُ (٣) " , فَقَالُوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ (٤)؟ , قَالَ: " يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ , وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ (٥) فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ , فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ (٦)) (٧) (وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ (٨)) (٩) وفي رواية: (حَتَّى يُحْرِجَهُ ") (١٠) (فَقَالُوا: وَكَيْفَ يُؤْثِمُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ , قَالَ: " يُقِيمُ عِنْدَهُ) (١١) (وَلَا يَجِدُ شَيْئًا يَقُوتُهُ ") (١٢)
الشرح (١٣)
(١) أَيْ: مَنْ آمَنَ بِاللهِ الَّذِي خَلَقَهُ, وَآمَنَ بِأَنَّهُ سَيُجَازِيهِ بِعَمَلِهِ. تحفة (٥/ ٢٠٤)
(٢) إِكْرَامُ الضَّيْفِ: بِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ , وَطِيبِ الْكَلَامِ , وَالْإِطْعَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. تحفة (٥/ ٢٠٤)
(٣) الجائزة: هِيَ الْعَطَاءُ , مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْجَوَازِ , لِأَنَّهُ حَقُّ جَوَازِهِ عَلَيْهِمْ. تحفة الأحوذي (٥/ ٢٠٤)
(٤) أَيْ: كَيْفَ يُكْرِمُهُ؟. تحفة الأحوذي - (ج ٥ / ص ٢٠٤)
(٥) أَيْ: يُضَافُ ثَلَاثَةَ أَيَّام , فَيَتَكَلَّفُ لَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّل مَا اِتَّسَعَ لَهُ مِنْ بِرٍّ وَإِلْطَاٍف , وَيُقَدِّمُ لَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مَا حَضَرَ , وَلَا يَزِيدُ عَلَى عَادَتِهِ ثُمَّ يُعْطِيهِ مَا يَجُوزُ بِهِ مَسَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ , وَتُسَمَّى: الْجِيزَةُ , وَهُوَ قَدْرُ مَا يَجُوزُ بِهِ الْمُسَافِرُ مِنْ مَنْهَلٍ إِلَى مَنْهَلٍ , وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: " أُجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ ". عون المعبود - (ج ٨ / ص ٢٥٢)
(٦) أَيْ: مَعْرُوفٌ , إِنْ شَاءَ فَعَلَ , وَإِلَّا فَلَا. عون المعبود (٨/ ٢٥٢)
(٧) (خ) ٥٦٧٣ , (م) ٤٨
(٨) أَيْ: لَا يَحِلُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَه بَعْدَ الثَّلَاثِ حَتَّى يُوقِعَهُ فِي الْإِثْم؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَغْتَابُهُ لِطُولِ مَقَامِهِ، أَوْ يُعَرِّضُ بِمَا يُؤْذِيهِ، أَوْ يَظُنُّ بِهِ مَا لَا يَجُوزُ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {اِجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ , إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.
وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا أَقَامَ بَعْد الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ اِسْتِدْعَاءٍ مِنْ الْمُضِيفِ، أَمَّا إِذَا اِسْتَدْعَاهُ وَطَلَبَ زِيَادَةَ إِقَامَتِهِ، أَوْ عِلْمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ إِقَامَتَهُ , فَلَا بَأسَ بِالزِّيَادَةِ، لِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا كَانَ لِكَوْنِهِ يُؤْثِمُهُ، وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ. شرح النووي على مسلم - (ج ٦ / ص ١٦٣)
(٩) (م) ٤٨
(١٠) (خ) ٥٧٨٤
أَيْ: يُضَيِّقَ صَدْرَهُ , وَيُوقِعَهُ فِي الْحَرَج, وَالْإِحْرَاج: التَّضْيِيقُ عَلَى الْمُضِيف بِأَنْ يُطِيلَ الْإِقَامَةَ عِنْدَهُ حَتَّى يُضَيِّقَ عَلَيْهِ. عون المعبود (ج ٨ / ص ٢٥٢)
(١١) (م) ٤٨
(١٢) (حم) ٢٧٢٠٩ , (م) ٤٨
(١٣) قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الضِّيَافَةِ، وَأَنَّهَا مِنْ مُتَأَكِّدَاتِ الْإِسْلَامِ , ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ , وَمَالِكٌ , وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمْ اللهُ تَعَالَى , وَالْجُمْهُورُ: وَهِيَ سُنَّةٌ , لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ.
وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ: هِيَ وَاجِبَةٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلِ الْقُرَى , دُونَ أَهْلِ الْمُدُنِ.
وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَأَشْبَاهَهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَتَأَكُّدِ حَقِّ الضَّيْفِ , كَحَدِيثِ: " غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " , أَيْ: مُتَأَكِّدُ الِاسْتِحْبَابِ.
وَتَأَوَّلَهَا الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللهُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمُضْطَرِّ. اِنْتَهَى.
قُلْت: قَدْ اِخْتَارَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ وُجُوبَ الضِّيَافَةِ , وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِدَلَائِلَ عَدِيدَةٍ فَقَالَ فِي النَّيْلِ: وَالْحَقُّ وُجُوبُ الضِّيَافَةِ لِأُمُورٍ: فَمِنْهَا إِبَاحَةُ الْعُقُوبَةِ بِأَخْذِ الْمَالِ لِمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي غَيْرِ وَاجِبٍ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ " فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ "، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ أَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ غَيْرُ صَدَقَةٍ , بَلْ وَاجِبٌ شَرْعًا.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: " لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ وَاجِبٌ "، فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالْوُجُوبِ , لَمْ يَأتِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَأوِيلِهِ.
قُلْت: وُجُوبُ الضِّيَافَةِ هُوَ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي , وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. تحفة (٥/ ٢٠٤)