للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: ١٧٨ - ١٨٠].

فالبلاء للمؤمن بمنزلة السَّبك للذهب؛ فإنه يخرج بالبلاء عبداً خالصاً له مخلصاً له، كما يخرج الذهب مهما سبك إبريزاً خالصاً ونضاراً محضاً، والمنافق كالدرهم الزيف يخرج بالسبك أسود مظلماً.

ولما كان أهل العمى الذي هو شر العمى وهو عمى القلب والبصيرة كما تقدم في الحديث: "وَشَرُّ الْعَمَىْ عَمَىْ الْقَلْبِ" (١) لا يرون المال ومتاع الدنيا إلا خيراً، ولم يفطنوا أنه قد يصير شراً لشر عاقبته، بل لا يرون الخير إلا ما هم فيه، رأوا من لم يكن له مثلما لهم من زخارف الدُّنيا شراراً، حتَّى إنهم يستديمون ذلك إلى ورود الآخرة بدليل ما حكاه الله تعالى عن الطاغين: {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (٦٢) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} [ص: ٦٢].

نزلت الآية في أصحاب قليب بدر، وفي فقراء المهاجرين؛ كعبد الله بن مسعود، وعمار، وبلال، وصهيب، وخباب رضي الله تعالى عنهم؛ كان صناديد قريش يَعُدُّونهم من أشرار الناس (٢)، فلما


(١) تقدم تخريجه.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" (٢٣/ ١٨٠)، و"تفسير القرطبي" (١٥/ ٢٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>