نظروا وهم في النار فلم يجدوهم فيها، وكانوا يرونهم أشراراً، ولا يرون أنفسهم أشراراً، ودخلوا هم النار التي هي دار الأشرار ولم يجدوهم فيها، وكانوا يرونهم أحق منهم بها، فتعجبوا حين لم يروهم فيها، ولم يعلموا أنهم نَجُوا منها من حيث كانوا يعتقدون كلهم أنهم به يلقون فيها؛ فإن الذي كانوا يعتقدون شَرِّيتهم به من الزهد في الدنيا، وإيثار الفقد والفقر فيها، واتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الذي أنقذهم منها.
ثم إن قوله تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[الأنبياء: ٣٥] مما استدلَّ به أهلُ السنة على إثبات القدر.
قال علماء البلاغة: وإنما قُدم الشر على الخير لأنَّ الابتلاء به أكثر، ولأنَّ أكثر الناس لا يعدُّون شيئاً من الخير بلاء بخلاف الشر.
وفي تقديمه مبالغة في الرد على من يقول من القدرية: إن الخير من الله، وإن الشر من الشَّيطان، ويعتقدون أن ذلك تنزيه منهم.
وقد ردَّ عليهم ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بأنهم يوافقون أهل السنة في أن الله تعالى خالق إبليس، وهو أبو كل شر وأخوه، فقد لزمهم ما أنكروه.
وقد روى اللالكائي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر رضي الله تعالى عنه:"يَا أَبَا بَكْر! لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ لاَ يُعْصَىْ مَا خَلَقَ إِبْلِيْسَ"(١).
(١) رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة" (٤/ ٦١٩)، وكذا ابن عدي في "الكامل" (٥/ ١١٥).