وقد تلبس الإمام عمر بن عبد العزيز بهذه الخصلة الشريفة - فيما ذكره أبو سعيد - أيضًا - عن سفيان بن عيينة، عن ابن عبد الملك، قال: حجَّ عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه بالناس، فلما نظر إلى مجتَمَع الناس بعرفةَ قال: اللهم زد في إحسان محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، وراجع بمسيئهم إلى التوبة، وحُطَّ من أوزارهم بالرَّحمة (١).
قال ابن عيينة: هكذا يكون الراعي يدعو لأهل رعيته.
قلت: وإذا كان الراعي داعيًا لأهل رعيته كان دعاؤه دليل الشفقة والرحمة، وبذلك يكون خيار الرعاة.
وفي "صحيح مسلم" عن عوف بن مالك - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"خِيارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِيْنَ تُحِبُّوْنَهُمْ، وَيُحِبُّوْنَكُمْ، وَتُصَلُّوْنَ عَلَيْهِمْ، وَيُصَلُّوْنَ عَلَيْكُمْ، وَشِرارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِيْنَ تُبْغِضُوْنَهُمْ، وُيبْغِضُوْنَكُمْ، وَتَلْعَنُوْنَهُمْ، وَيَلْعَنُوْنَكُمْ"(٢).
* لَطِيْفَةٌ أُخْرَىْ:
ذكر الإمام أبو الفرج بن الجوزيِّ رحمه الله تعالى في كتاب "مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن" عن وهيب بن الورد رحمه الله تعالى قال: كنت أطوف أنا وسفيان الثوري رضي الله تعالى عنه ليلاً، فانقلب سفيان، وبقيت في الطَّواف، فدخلت الْحِجْرَ، فصليت تحت الميزاب،
(١) ورواه الإمام أحمد في "الزهد" (ص: ٢٩٠). (٢) رواه مسلم (١٨٥٥).