واعلم أنَّ المروي من زهد الأنبياء عليهم السلام ومواعظهم في ذلك خصوصًا عن سيدنا عيسى عليه السلام لا يمكن حصره لكثرته، وفي هذا القدر كفاية لمن أنعم الله عليه بالهداية.
* تَنْبِيْهٌ:
قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ (٧٧)} [النساء: ٧٧].
ولمَّا تحقق الأنبياء عليهم السلام والصالحون قلةَ الدنيا وحقارتها عند الله وفناءها، دعاهم ذلك إلى الزهد فيها، والرغبة فيما عند الله تعالى.
قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ (٩٦)} [النحل: ٩٦] وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "ذم الدنيا" عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء ملك الموت إلى نوح عليهما السلام فقال: يا أطول النبيين عمراً! كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: كرجل دخل بيتًا له بابان، فقال وسطَ البيت هنيهة، ثم خرج من الباب الآخر (٢).
ولأبي العتاهية:[من مجزوء الرمل]
نُحْ عَلى نَفْسِكَ يا مِسْـ ... ـكِيْنُ إِنْ كُنْتَ تَنُوْحُ
لتمُوْتَنَّ وَإِنْ عُمْـ ... ـمِرْتَ ما عُمِّرَ نُوْحُ
(١) رواه الترمذي (٢٣٢٠) وصححه، وابن ماجه (٤١١٠) عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -. (٢) رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الدنيا" (٢٢٩)، وفي "الزهد" (ص: ٣٦٠).