للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى أبوه فيه عن زبيد اليامي رحمه الله تعالى قال: قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: قولوا خيراً تُعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله (١).

فَهِمَ - رضي الله تعالى عنه - أن مَنْ عرف الخير فقالَ به، صار معروفاً به في الناس، موسوماً به عندهم، ولكنه لا يكون من أهل الخير حقيقةً حتى يعمل به مخلصاً فيه؛ وبالله التوفيق.

ثم اعلم أنَّ من وفقه الله تعالى من الحكام والقضاة إلى الوقوف مع الشرع، ثم إلى الاستقامة على ذلك إلى وفاته - وأنى لنا بهذا في هذه الأزمنة التي قوام الأمة فيها شرارها - فهو من الأوتاد في الأرض لأنهم ظل الله في الأرض، فإذا كان الظل لطيفاً معتدلاً وَرِيفاً عاش الناس في كَنَفه في أهنى عيش، بخلاف مالم يكن كذلك؛ فإن الناس -وإن عاشوا في كنفه- إلا أنه لا هَنَاء في عيشهم، بل هو منغص مكدر، فهم إذا صبروا أُجزوا على الطاعة والانقياد، وأثيبوا على الصبر على جفاء الولاة ومقاساة الأمور، وأهل الاستقامة من هذا الصنف أعز من الكبريت الأحمر والأبيض العقوق، وعنقاء مغرب، ولا أحسب منهم أحداً موجوداً الآن؛ لأن الشر غالب على الناس، فكيف يتوهم أهل الخير والله تعالى يقول في كتابه العزيز: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: ١٢٩].


(١) رواه الإمام أحمد في "الزهد" (ص: ١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>