قلت: ومثل ذلك لا يكون غيبة؛ لأن الله تعالى أطلعهم على حقيقة الأمر، وأمرهم بذلك؛ فإنهم كما قال الله تعالى:{وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: ٦].
ويحتمل أن يكون قولهم: "خسر الليلة فلان، هلك الليلة فلان" من باب الرحمة والأسف عليه، لا من باب التفكُّه بذكره؛ فإن هذا من خلق بني آدم، لا من خلق الملائكة.
وروى حسين المروزي راوي كتاب "البر والصلة" لابن المبارك في "زوائده" عن مجاهد قال: إن الملائكة مع ابن آدم، فإذا ذكر أخاه المسلم بخير قالت الملائكة: ولك بمثله، وإذا ذكره بسوء قالت الملائكة: ابن آدم المستور عورته أَرْبَع على نفسك، واحمد الذي ستر عورتك (٢).
وروى الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن جُبير بن نُفير رضي الله تعالى عنه قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس صلاة الصبح، فلما فرغ أقبل بوجهه على الناس رافعاً صوته حتى كان يسمع من الخدور، وهو يقول: "يا مَعْشَرَ الَّذِيْنَ أَسْلَمُوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيْمانُ فِيْ قُلُوْبهِمْ! لا تُؤْذُوْا الْمُسْلِمِيْنَ، وَلا تُعَيِّرُوْهُمْ، وَلا تتَّبِعُوْا عَثَراتِهِمْ؛ فَإِنَّ مَنْ
(١) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٢/ ٢٨٢). وفيه سلام الطويل، وهو متروك الحديث، كما ذكر المقدسي في "ذخيرة الحفاظ" (٢/ ٩٥٨). (٢) وتقدم تخريجه عن أبي نعيم.