فهذه الأخلاق الثَّلاثة المشار إليها في الآية -أعني: البخل والأمر به، وإظهار الفقر، وكتمان الغنى- من أخلاق اليهود، بل والنَّصارى، غير أنها في اليهود أظهر وأبلغ.
روى أبو داود، والحاكم وصححه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِيَّاكُمْ والشُّحَّ؛ فَإِنَّما هَلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكُم بِالشُّحِّ، أَمَرَهُمْ بِالبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيْعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالفُجُورِ فَفجَرُوا"(١).
وقد قدمنا قول عيسى عليه السَّلام: إن الشَّيطان يريد أن يوقعكم في بخله فلا تفعلوا.
وقوله عليه السَّلام بشدة: ما يدخل غني الجنة.
وروى الدينوري عن أبي عبد الله الصُّوفي قال: قال عيسى عليه السَّلام: طالب الدُّنيا مثل شارب البحر؛ كلما ازداد شربًا ازداد عطشًا حتى تقتله (٢).
وروى ابن عساكر عن سفيان الثَّوري قال: قال المسيح عليه السَّلام: إنما تطلب الدنيا لتبر، فتَرْكُها أَبَرُّ (٣).
(١) رواه أبو داود (١٦٩٨)، والحاكم في "المستدرك" (١٥١٦). (٢) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (ص: ٢٤٦). (٣) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤٧/ ٤٢٧).