وفي قوله: فإن صاحب الدنيا يحبه البَرُّ والفاجر: إشارة إلى أنَّ محبة أهل الدنيا ومؤاخاتهم ليس فيها فضيلة أصلاً، والأمر كذلك.
وقد عوتب النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعراضه مرة عن الفقراء اشتغالاً بمحادثة من كان يرجو إسلامه من أرباب الدنيا (١)، بقوله تعالى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف: ٢٨].
بل محبة أهل الدنيا للدنيا مكروهة أو حرام؛ لأنها ترجع إلى محبة الدنيا.
وفي الحديث:"حُبُّ الدُّنْيا رَأْسُ كُلّ خَطِيْئَةٍ". رواه البيهقي في "شُعَب الإيمان" عن الحسن مرسلاً (٢).
وروى الإمام أحمد، والبزار، والطبراني، وابن حبَّان، والحاكم - وصححاه - عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحَبَّ دنْياهُ أَضَرَّ بآخِرَتهِ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْياهُ، فآثِرُوْا ما يَبْقَى عَلَى ما يَفْنَى"(٣).
(١) انظر: "سنن ابن ماجه" (٤١٢٧). (٢) رواه البيهقي في "شُعَب الإيمان" (١٠٥٠١). (٣) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٤/ ٤١٢)، وابن حبَّان في "صحيحه" (٧٠٩)، والحاكم في "المستدرك " (٧٨٥٣). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (١٠/ ٢٤٩): رواه الإمام أحمد والبزار والطبراني ورجالهم ثقات، =