وجملَةُ ذلك أنَّ الْمَغانِمَ إذا جُمِعَت، وفيها طعامٌ أو عَلَفٌ، لم يَجُزْ لأَحَدٍ أخْذُه إلَّا لضَرُورَةٍ؛ لأنَّنا إنَّما أَبَحْنا أخْذَه قبلَ جَمْعِه، لأنَّه لم يَثْبُتْ فيه مِلْكُ المسلمين بعدُ، فأشْبَهَ المُباحاتِ من الحَطَبِ والحَشِيشِ، فإذا حِيزَت الْمَغانِمُ، ثَبَتَ مِلْكُ المسلمين فيها، فخَرَجَت عن حَيِّزِ المُباحاتِ، وصارَتْ كسائِرِ أمْلاكِهم، فلم يَجُزْ الأَكْلُ منها إلَّا لضرورَةٍ، وهو أنْ لا يَجِدُوا ما يأْكُلُونَه، فحينَئِذٍ يجُوزُ؛ لأنَّ حِفْظَ نُفوسِهم ودَوابِّهِم أهَمُّ، وسواءٌ حِيزَت فى دارِ الحَرْبِ أو فى دارِ الإِسْلامِ. وقال القاضى: ما كانتْ فى دارِ الحَرْبِ، جازَ الأكلُ منها وإنْ حِيزَتْ؛ لأنَّ دارَ الحربِ مَظِنَّةُ الحاجَةِ، لعُسْرِ نَقْلِ المِيرَةِ إليها، بخلافِ دارِ الإِسلامِ. وكلام الخِرَقِىِّ عامٌّ فى الموضِعَيْن، والمَعْنَى يقتَضِيه؛ فإنَّ ما ثَبَت عليه أيْدى المسلمين، وتَحَقَّقَ مِلْكُهم له، لا يَنْبَغِى أنْ يُؤْخَذَ إلَّا برِضَاهُم، كسائِرِ أمْلاكِهِم، ولأنَّ حِيازَتَه فى دارِ الحربِ تُثْبِتُ المِلْكَ فيه، بدليلِ جَوازِ قِسْمَتِه، وثُبوتِ أحكامِ المِلْكِ فيه، بخلافِ ما قبلَ الحِيازَةِ، فإنَّ المِلْكَ لم يثْبُتْ فيه بعدُ.