-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى حِجَّةِ الوَدَاعِ، وأُتِىَ بِالبُدْنِ، فقال:"ادْعُ لِى أبَا الْحَسَنِ". فدُعِىَ له علىٌّ، فقال له:"خُذْ بِأَسْفَلِ الْحَرْبَةِ". وأخَذَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأعْلَاها، ثم طَعَنا بها البُدْنَ. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (٢٨). وإنَّما فَعَلَا ذلك لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشْرَكَ عليًّا فى بُدْنِهِ. وقال جَابِرٌ: نَحَرَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثًا وسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِه، ثم أعْطَى عليًّا فنَحَرَ ما غَبَرَ (٢٩). ورُوِىَ أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحَرَ خَمْسَ بَدَنَاتٍ، ثم قال:"مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ". رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (٣٠). فإن لم يَذْبَحْ بِيَدِه، فالمُسْتَحَبُّ أن يَشْهَدَ ذَبْحَها؛ لما رُوِىَ أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لِفاطمةَ:"احْضُرِى أُضْحِيَّتَكِ يُغْفَرْ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا"(٣١)، ويُسْتَحَبُّ أن يَتَوَلَّى تَفْرِيقَ اللَّحْمِ بِنَفْسِه؛ لأنَّه أَحْوَطُ وأقَلُّ لِلضَّرَرِ على المَسَاكِينِ، وإن خَلَّى بينَه وبينَ المَسَاكِينِ جازَ؛ لِقَولِه عليه السَّلَامُ:"مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ".
فصل: ويُباحُ لِلْفُقَراءِ الأخْذُ من الهَدْىِ إذا لم يَدْفَعْهُ إليهم بأحَدِ شَيْئَيْنِ؛ أحدِهما، الإذْنُ فيه لَفْظًا، كما قال النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ". والثانى، دَلَالَةٌ على الإذْنِ، كالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهم وبَيْنَه. وقال الشَّافِعِىُّ، فى أحَدِ قَوْلَيْهِ: لا يُباحُ إلَّا بِاللَّفْظِ. وقَوْلُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِسَائِقِ البُدْنِ:"اصْبُغْ نَعْلَهَا فِى دَمِهَا، وَاضْرِبْ به صَفْحَتَها"(٣٢). دلِيلٌ على أنَّ ذلك وشِبْهَه كَافٍ من غيرِ لَفْظٍ، ولولا ذلك لم يَكُنْ هذا مُفِيدًا.
المَذْهَبُ أنَّه يَأْكُلُ من هَدْىِ التَّمَتُّعِ (١) والقِرَانِ دونَ ما سِوَاهما. نَصَّ عليه
(٢٨) فى: باب فى الهدى إذا عطب قبل أن يبلغ، من كتاب المناسك. سنن أبى داود ١/ ٤٠٩. (٢٩) تقدم تخريجه فى صفحة ١٥٦. (٣٠) تقدم تخريجه فى صفحة ٣٠١. (٣١) أخرجه عبد الرزاق، فى: باب فضل الضحايا. . .، من كتاب المناسك. المصنف ٤/ ٣٨٨. والبيهقى، فى: باب ما يستحب من ذبح النسيكة. . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى ٥/ ٢٣٩. (٣٢) تقدم تخريجه فى صفحة ٤٣٩. (١) فى أ: "المتعة".