اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الثَّابتَةِ الصَّحِيحَةِ، فلا يَحِلُّ الاحْتِجَاجُ به. وأمَّا قِيَاسُهم فى مُقَابَلَةِ قَوْلِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلا يُقْبَلُ، على أنَّ قِياسَ الحَجِّ على العُمْرَةِ فى هذا لا يَصِحُّ، فإنَّه يجوزُ قَلْبُ الحَجِّ إلى العُمْرَةِ فى حَقِّ مَن فَاتَهُ الحَجُّ، ومن حُصِرَ عن عَرَفَةَ (١٣)، والعُمْرَةُ لا تَصِيرُ حَجًّا بِحَالٍ. ولأنَّ فَسْخَ الحَجِّ إلى العُمْرَةِ يَصِيرُ به مُتَمَتِّعًا، فتَحْصُلُ الفَضِيلَةُ. وفَسْخُ العُمْرَةِ إلى الحَجِّ يُفَوِّتُ الفَضِيلَةَ، ولا يَلْزَمُ مِن مَشْرُوعِيَّةِ ما يَحْصُلُ به (١٤) الفضيلةُ مَشْرُوعِيَّةُ تَفْوِيتِها.
فصل: وإذا فَسَخَ الحَجَّ إلى العُمْرَةِ، صارَ مُتَمَتِّعًا، حُكْمُه حُكْمُ المُتَمَتِّعِينَ فى وُجُوبِ الدَّمِ وغيرِه. وقال القاضى: لا يَجِبُ الدَّمُ؛ لأنَّ مِن شَرْطِ وُجُوبِهِ أن يَنْوِىَ فى ابْتِدَاءِ العُمْرَةِ، أو فى أثْنَائِها، أنَّه مُتَمَتِّعٌ. وهذه دَعْوَى لا دَلِيلَ عليها، تُخالِفُ عُمُومَ الكِتابِ وصَرِيحَ السُّنَّةِ الثَّابتَةِ، فإنَّ اللَّه تعالى قال:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}(١٥). وفى حديثِ ابنِ عمرَ، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:"مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا والمَرْوَةِ، ولْيُقَصِّرْ، وَلْيَحِلَّ، ثُمَّ لْيُهِلَّ بِالحَجِّ وَلْيُهْدِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فى الحَجِّ وسَبْعَةً إذا رَجَعَ إلى أَهْلِهِ". مُتَّفَقٌ عليه (١٦). ولأنَّ وُجُوبَ الدَّمِ فى المُتْعَةِ لِلتَّرَفُّهِ بِسُقُوطِ أحَدِ السَّفَرَيْنِ، وهذا المَعْنَى لا يَخْتَلِفُ بِالنِّيَّةِ وعَدَمِها، فوَجَبَ أن لا يَخْتَلِفَ وُجُوبُ الدَّمِ، على أنَّه لو ثَبَتَ أن النِّيَّةَ شَرْطٌ، فقد وُجِدَتْ، فإنَّه ما حَلَّ حتَّى نَوَى أنَّه يَحِلُّ، ثمَّ يُحْرِمُ بِالحَجِّ.