في ذلك خِلَافًا. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كُلُّ مَن نَحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ، على أنَّ مَن [أدْرَكَ الوُقُوفَ](٤٠) بِعَرَفَةَ غيرَ طاهِرٍ، مُدْرِكٌ لِلْحَجِّ. ولا شىءَ عليه. وفى قَوْلِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعائشةَ:"افْعَلِى مَا يَفْعَلُ (٤١) الْحَاجُّ غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ"(٤٢). دَلِيلٌ على أنَّ الوُقُوفَ بِعَرَفَةَ على غيرِ طهارةٍ جائِزٌ، ووقفتْ عائشةُ، رَضِىَ اللَّه عنها، بها حائِضًا بِأمْرِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ويُسْتَحَبُّ أن يكونَ طَاهِرًا. قال أحمدُ: يُسْتَحَبُّ له أن يَشْهَدَ المَناسِكَ كلَّها على وضُوءٍ، كان عَطاءٌ يقولُ: لا يَقْضِى شيئا من المناسِكِ إلَّا على وضُوءٍ.
الإِمامُ هاهُنا الوَالِى الذي إليه أمْرُ الحَجِّ من قِبَلِ الإِمامِ. ولا يَنْبَغِى لِلنَّاسِ أن يَدْفَعُوا حتى يَدْفَعَ. قال أحمدُ: ما يُعْجِبُنِى أن يَدْفَعَ إلَّا مع الإِمامِ. وسُئِلَ عن رَجُلٍ دَفَعَ قبلَ الإِمامِ بعدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فقال: ما وَجَدْتُ عن أحَدٍ أنَّه سَهَّلَ فيه، كُلُّهم يُشَدِّدُ فيه. فالمُسْتَحَبُّ أن يَقِفَ حتى يَدْفَعَ الإِمامُ، ثم يَسِيرَ نحوَ المُزْدَلِفَةِ على سَكِينَةٍ ووَقَارٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين دَفعَ، وقد شَنَقَ لِنَاقَتِهِ (١) القَصْواءِ بِالزِّمامِ، حتى إنَّ رَأْسَها لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِه، ويقولُ بِيَدِه اليُمْنَى:"أيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ". هذا في حديثِ جابِرٍ (٢)، وَرُوِىَ عن (٣) ابنِ عَبّاسٍ، أنَّه دَفَعَ مع النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومَ عَرَفَةَ، فسَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورَاءَه زَجْرًا شَدِيدًا وضَرْبًا لِلْإِبِلِ، فأشارَ بسَوْطِه إليهم، وقال: "أيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ، فَإنَّ الْبِرَّ لَيْسَ
(٤٠) في ب، م: "وقف"، ومكانها في ا: "الواقف". (٤١) في ب، م: "يفعله". (٤٢) تقدم تخريجه في صفحة ٢٠٩. (١) سقط من: الأصل، أ. (٢) تقدم تخريجه في صفحة ١٥٦. (٣) سقط من: الأصل، أ.