نَاقِصَة الفَضِيلَةِ. ولم يُرِدْ أنَّها غيرُ مَقْصَورَةِ الرَّكَعَاتِ؛ لأنَّه خِلَافُ ما دَلَّتْ عليه الآيَةُ والإِجْمَاعُ، إذ الخِلَافُ إنَّما هو في القَصْرِ والإِتْمَامِ، وقد ثَبَتَ بِرِوَايَتِه عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حَدِيثِ يَعْلَى بن أُمَيَّةَ أنَّها مَقْصُورَةٌ، ويُشْبِهُ هذا ما رَوَاهُ مُجَاهِدٌ، قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى ابنِ عَبَّاسٍ، فقال: إني وصَاحِبٌ لي كُنَّا في سَفَرٍ، وكان صَاحِبِى يَقْصُرُ وأنا أُتِمُّ. فقالَ له ابنُ عَبَّاسٍ: أنتَ كنتَ تَقْصُرُ وصَاحِبُكَ يُتِمُّ (١١)؛ رَوَاه الأثْرَمُ (١٢)، أرادَ أن فِعْلَه أفْضَلُ من فِعْلِكَ. ثم لو ثَبَتَ أنَّ أصْلَ الفَرْضِ رَكْعَتَانِ لم يَمْتَنِعْ جَوَازُ الزِّيَادَةِ عليها، كما لو ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ، ويُخَالِف زِيادة رَكْعَتَيْنِ على صَلَاةِ الفَجْرِ، فإنَّه لا يَجُوزُ زِيادتُهما بِحالٍ.
أمَّا القَصْرُ فهو أفْضَلُ من الإِتْمامِ في قولِ جُمْهُورِ العُلماءِ، وقد كَرِهَ جماعةٌ منهم الإِتْمامَ. قال أحمدُ: ما يُعْجِبُنِى. وقال ابنُ عَبَّاسٍ للذى قال له: كنتُ أُتِمُّ الصَّلَاةَ وصَاحِبِى يَقْصُرُ: أنتَ الذي كنتَ تَقْصُرُ وصَاحِبُكَ يُتِمُّ. وشَدَّدَ ابنُ عمرَ على من أتَمَّ الصلاةَ، رُوِىَ أن رَجُلًا سَأَلَهُ عن صلاةِ السَّفَرِ، فقال: رَكْعَتَانِ، فمَن خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ (١). وقال بِشْرُ بنُ حَرْبٍ: سَأَلْتُ ابنَ عمرَ: كيف صَلَاةُ السَّفَرِ يا أبا عبد الرحمنِ؟ قال أما أنْتُمْ تَتَّبِعُونَ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ -صلى اللَّه عليه وسلم- أخْبَرْتُكُمْ، وأما لا تَتَّبِعُونَ سُنَّةَ نَبِيِّكُم فلا أُخْبِرُكُم؟ قلنا: فخَيْرُ ما اتُّبعَ سُنَّةُ نَبِيِّنَا يا أبا عبدِ الرحمنِ. قال: كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ إذا خَرَجَ بن المَدِينَةِ لم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ
(١١) في رواية ابن أبي شيبة: بل أنت الذي كنت تقصر وصاحبك الذي كان يتم. (١٢) وأخرجه ابن أبي شيبة، في: باب من كان يقصر الصلاة، من كتاب الصلاة. المصنف ٢/ ٤٤٩، ٥٠٠. (١) تقدم في صفحة ١٢٢.