لا يَسْتَقْبِلُ هشامَ بن إسماعيلَ إذا خَطَبَ، فوَكَلَ به هِشَامٌ شُرَطِيًّا يَعْطِفُه إليه. والأوَّلُ أوْلَى؛ لما رَوَى عَدِيُّ بن ثَابِتٍ، عن أبِيه، عن جَدِّهِ، قال: كان النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قَامَ على المِنْبَرِ اسْتَقْبَلَهُ أصْحَابُه بِوُجُوهِهم، رَوَاه ابنُ مَاجَه (١٠). وعن مُطِيعِ بن يَحْيَى (١١) المَدَنِي، عن أبِيه، عن جَدِّهِ، قال: كان رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قَامَ على المِنْبَرِ أقْبَلْنَا بِوُجُوهِنا إليه. أخْرَجَه الأثْرَمُ. ولأنَّ ذلك أبْلَغُ في سَمَاعِهم، فاسْتُحِبَّ، كاسْتِقْبَالِ الإِمَامِ إيَّاهم.
وجُمْلَتُه أنَّه يُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ خُطْبَتانِ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِيِّ. وقال مالِكٌ، والأوْزاعِيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ: يُجْزئُهُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ عليه، فإنَّه قال: لا تكونُ الخُطْبَةُ إلَّا كما خَطَبَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو (٢) خُطْبَةً تَامَّةً. وَوَجْهُ الأوَّلِ أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، كما رَوَيْنا في حَدِيثِ ابنِ عمرَ، وجَابِرِ بن سَمُرَةَ، وقد قال:"صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمونِى أُصَلِّى". ولأنَّ الخُطْبَتَيْنِ أُقِيمَتَا مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ، فكُلُّ خُطْبَةٍ مَكَانَ رَكْعَةٍ، فالإِخْلالُ بإحْدَاهما كالإِخْلالِ بإحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ. ويُشْتَرَطُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ منهما حَمْدُ اللهِ تعالى، والصَّلَاةُ على رسولِه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"كُلُّ أَمْرٍ ذِى بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللهِ فَهُوَ أَبْتَرُ"(٣). وإذا وَجَبَ ذِكْرُ اللَّه تعالى،
(١٠) في: باب ما جاء في استقبال الإِمام وهو يخطب، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه ١/ ٣٦٠. (١١) في أ، م زيادة: "بن". (١) في أ، م: "بالحمد للَّه". (٢) في م: "أي". (٣) أخرجه أبو داود، في: باب الهَدْى في الكلام، من كتاب الأدب، سنن أبي داود ٢/ ٥٦٠ بلفظ =