سَلَمَةَ: شَكَوْتُ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنِّى (٥) أشْتَكِى، فقال:"طُوفِى مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، وأنْتِ رَاكِبَةٌ". دَلِيلٌ على أنَّ الطَّوَافَ إنَّما يكونُ مَشْيًا، وإنَّما طَافَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَاكِبًا لِعُذْرٍ، فإنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رَوَى أنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثُرَ عليه النّاسُ يَقُولُونَ: هذا مُحمدٌ هذا مُحمدٌ. حتَّى خَرَجَ العَوَاتِقُ من البُيُوتِ، وكان رسولُ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يُضْرَبُ النّاسُ بين يَدَيْهِ، فلما كَثُرُوا عليه رَكِبَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٦). وكذلك فى حديثِ جابِرٍ، فإنَّ النَّاسَ غَشُوهُ. ورُوِىَ عن ابنِ عَبّاسٍ، أنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَافَ رَاكِبًا؛ لِشَكَاةٍ به (٧). وبهذا يَعْتَذِرُ مَن مَنَعَ الطَّوَافَ رَاكِبًا عن طَوَافِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والحديثُ الأَوَّلُ أثْبَتُ. فعلَى هذا يكونُ كَثْرَةُ النّاسِ، وشِدَّةُ الزِّحَامِ عُذْرًا. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَصَدَ تَعْلِيمَ النّاسِ مَنَاسِكَهم، فلم يَتَمَكَّنْ منه إلا بِالرُّكُوبِ، واللهُ أعلمُ.
فصل: إذا طَافَ رَاكِبًا، أو مَحْمُولًا، فلا رَمَلَ عليه. وقال القاضى: يَخُبُّ به بَعِيرُه. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يَفْعَلْهُ، ولا أمَرَ به، ولأنَّ مَعْنَى الرَّمَلِ لا يَتَحَقَّقُ فيه.
أمَّا إذا كان معه (١) هَدْىٌ، فليس له أن يَحِلَّ من إحْرَامِ الحَجِّ، ويَجْعَلَهُ عُمْرَةً،
(٥) فى ب، م: "أن" خطأ. (٦) فى: باب استحباب الرَّمل فى الطَّواف. . .، من كتاب الحجّ. صحيح مسلم ٢/ ٩٢١، ٩٢٢. (٧) أخرجه أبو داود، فى: باب الطَّواف الواجب، من كتاب المناسك. سنن أبي داود ١/ ٤٣٤. والبيهقى، فى: باب الطَّواف راكبا، من كتاب الحجّ. السنن الكبرى ٥/ ٩٩، ١٠٠. (١) فى الأصل، أ: "معهما". أى مع المفرد والقارن. والضمير فى قوله: "له" الآتى لواحد.