وقال الشافعىُّ: السِّرُّ: الجِماعُ (١٦). وأنشد لِامْرئ القَيْسِ:
ألَا زَعَمَتْ بَسْباسَةُ القَوْمِ أنَّنِى ... كَبِرْتُ وأن لا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثالِى (١٧)
ومُواعَدَةُ السِّرِّ أن يقولَ: عندِى جماعٌ يُرْضِيكِ. ونحوه، وكذلك إن قال: رُبَّ جماعٍ يُرْضِيكِ. فنُهِىَ عنه لما فيه من الهُجْرِ والفُحْش والدَّناءةِ والسُّخْفِ.
فصل: فإن صَرَّحَ بالخِطْبةِ، أو عَرَّضَ فى موضعٍ يَحْرُمُ (١٨) التعريضُ، ثم تَزَوَّجَها (١٩) بعدَ حِلِّها، صَحَّ نِكاحُه. وقال مالكٌ: يُطَلِّقُها تَطليقةً، ثم يتزَوَّجُها. وهذا غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ هذا المُحَرّمَ لم يُقارِنِ (٢٠) العَقْدَ، فلم يُؤَثِّرْ فيه، كما فى النِّكاحِ الثانى، أو كما لو رآها مُتَجَرِّدةً ثم تزَوَّجَها.
فصل: ويَحْرُمُ على العبدِ نِكاحُ سَيِّدَتِه. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهلُ العلمِ على أَنَّ نِكاحَ المرأةِ عَبْدَها باطِلٌ. وروى الأَثْرَمُ، بإسنادِه عن أبى الزُّبَيْرِ، قال: سألتُ جابرًا عن العَبْدِ يَنْكِحُ سَيِّدَتَه، فقال: جاءتِ امرأةٌ إلى عمرَ بن الخَطَّابِ، ونحن بالْجابِيَةِ (٢١)، وقد نَكَحَتْ عَبْدَها، فانْتَهرَها عمرُ، وهَمَّ أن يَرْجُمَها، وقال: لا يَحِلُّ لكِ (٢٢). ولأنَّ أحْكامَ النِّكاحِ مع أحكامِ المِلْكِ (٢٣) يتَنافَيانِ، فإنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَقْتَضِى أن يكونَ الآخرُ بحُكْمِه، يُسافِرُ بسَفَرِه، ويُقِيمُ بإقامَتِه، ويُنْفِقُ عليه، فيتَنافَيان.
(١٦) فى ب: "النكاح". (١٧) البيت فى ديوانه ٢٨. وفيه: "بسباسة اليوم وبسباسة: امرأة عيرته بالكبر. (١٨) فى الأصل: "تحريم". (١٩) فى م: "تزويجها". (٢٠) فى أ، ب: "يفارق". (٢١) الجابية: قرية من أعمال دمشق، ثم من أعمال الجيدور من ناحية الجولان. معجم البلدان ٢/ ٣. (٢٢) أخرجه البيهقى، فى: باب النكاح وملك اليمين لا يجتمعان، من كتاب النكاح. السنن الكبرى ٧/ ١٢٧. وسعيد بن منصور، فى: باب ما جاء فى المرأة تزوج عبدها، السنن ١/ ١٩٢. (٢٣) فى الأصل: "المملوك".