فسأل عنها عمرُ، فقيل له: هذه فلانةٌ، زوجُها غائبٌ فى سبيلِ اللَّهِ. فأرسلَ إليها امرأةً تكونُ معَها، وبعثَ إلى زَوْجِها فأقْفَلَه، ثمَّ دخلَ على حَفْصةَ، فقال: يا بُنَيَّةُ، كم تصْبِرُ المرأةُ عن زوجِها؟ فقالت: سبحانَ اللَّهِ، مِثْلُك يسألُ مِثْلِى عن هذا! فقال: لولا أنِّى أُرِيدُ النَّظَرَ للمسلمين ما سألتُك. قالتْ: خمسة أشْهُرٍ، ستَّة أشْهُرٍ. فوقَّتَ للنَّاسِ فى مَغازيهم ستَّةَ أشْهُرٍ؛ يَسِيرون شهرًا، ويُقيمونَ أربعةً، ويَسِيرونَ شهرًا راجعينَ. وسُئلَ أحمدُ: كم للرَّجلِ أَنْ يَغِيبَ عن أهلِه؟ قال: يُرْوَى ستَّةُ أشهرٍ. وقد يَغِيبُ الرَّجلُ اكثرَ من ذلك لأمرٍ (٣١) لابُدَّ له، فإنَّ غابَ أكْثرَ من ذلك لغيرِ عُذْرٍ، فقالَ بعضُ أصحابِنا: يُراسِلُه الحاكمُ، فإنْ أَبَى أَنْ يَقْدَمَ، فَسَخَ نِكاحَه. ومَن قال: لا يُفْسَخُ نِكاحُه إذا تَرَكَ الوَطْءَ وهو حاضرٌ، فههُنا أوْلى. وفى جميعِ ذلك، لا يجوزُ الفَسْخُ عندَ مَن يَراهُ إلَّا بحُكْمِ حاكمٍ؛ لأنَّه مُخْتلَفٌ فيه.
فصل: وسُئلَ أحمدُ: يُؤْجَرُ الرجلُ أن يَأْتِىَ أهلَه وليس له شَهْوةٌ؟ فقال: إى واللَّهِ، يَحْتسِبُ الولَدَ. وإن يُردِ الولدَ؟ يقول: هذه امرأةٌ شابَّةٌ، لِمَ لا يُؤْجَرُ؟ وهذا صحيحٌ، فإنَّ أبا ذَرٍّ رَوَى، أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"مُبَاضَعَتُكَ أَهْلَكَ صَدَقَةٌ"، قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ أنُصِيبُ شَهْوتَنا ونُؤْجَرُ؟ قال:"أَرَأَيْتَ لَوْ وَضَعَهُ فِى غَيْرِ حَقِّهِ، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ " قال: قلتُ: بلى. قال:"أَفَتَحْتَسِبُونَ بِالسيِّئَةِ، وَلَا تَحْتَسِبُونَ بِالْخَيْرِ"(٣٢). ولأنَّه وَسِيلةٌ إلى الولدِ، وإعْفافِ نفسِه وامرأتِه، وغَضِّ بصرِه، وسُكونِ
= وذكره ابن السبكى، فى مقدمة الطبقات، وقال: ليس فى شىء من الكتب الستة. طبقات الشافعية الكبرى ١/ ٢٨٤. (٣١) سقط من: الأصل. (٣٢) فى حاشية أ: "بالحسنة". والحديث أخرجه مسلم، فى: باب بيان أن اسم الصدقة يقع عل كل نوع من المعروف، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم ٢/ ٦٩٧، ٦٩٨. وأبو داود، فى: باب فى إماطة الأذى عن الطريق، من كتاب الأدب. سنن أبى داود ٢/ ٦٥١، ٦٥٢. والإِمام أحمد، فى: المسند ٥/ ١٥٤، ١٦٧، ١٧٨.