فصل: ولو طَافَ على جِدَارِ الحِجْرِ، وشَاذَرْوَانِ الكَعْبَةِ، وهو ما فَضَلَ من حَائِطِها، لم يَجُزْ؛ لأنَّ ذلك من البَيْتِ، فإذا لم يَطُفْ به، فلم يَطُفْ بكلِّ البَيْتِ؛ ولأنَّ (٧) النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَافَ مِن وَرَاءِ ذلك.
فصل: ولو نَكَسَ الطَّوَافَ، فجَعَلَ البَيْتَ على يَمِينِه، لم يُجْزِئْهُ. وبه قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يُعِيدُ ما كان بمَكَّةَ، فإن رَجَعَ جَبَرَهُ بِدَمٍ؛ لأنَّه تَرَكَ هَيْئَةً فلم تَمْنَع الإجْزَاءَ، كما لو تَرَكَ الرَّمَلَ والاضْطِبَاعَ. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعَلَ البَيْتَ فى الطَّوَافِ على يَسَارِه، وقال عليه السَّلَامُ:"لِتَأْخُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ". ولأنَّها عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَيْتِ، فكان التَّرْتِيبُ فيها وَاجِبًا كالصلاةِ، وما قَاسُوا عليه مُخَالِفٌ لما ذَكَرْنَا، كما اخْتَلَفَ حُكْمُ هَيْئَةِ الصلاةِ وتَرْتِيبِها.
وجُمْلَةُ ذلك أنَّه يُسَنُّ لِلطَّائِفِ أن يُصَلِّىَ بعدَ فَرَاغِه رَكْعتَيْنِ، ويُسْتَحَبُّ أن يَرْكَعَهُما خَلْفَ المَقَامِ؛ لِقَوْلِه تعالى:{وَاتَّخِذُواْ مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلَّى}(١). ويُسْتَحَبُّ أن يَقْرَأَ فيهما {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فى الأُولَى، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فى الثانية، فإنَّ جَابِرًا رَوَى فى صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: حَتَّى أَتَيْنَا البَيْتَ معه، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فرَمَلَ ثَلَاثًا، ومَشَى أرْبعًا، ثم نَفَذَ (٢) إلى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، فقَرَأ:{وَاتّخِذُواْ مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلَّى} فجَعَلَ المَقَامَ بينه وبين البَيْتِ. قال محمدُ بن علىٍّ (٣): ولا أعْلَمُهُ إلَّا ذَكَرَهُ عن النَّبِىِّ
= والنسائي، فى: باب الركوب إلى الجمار. . .، من كتاب المناسك. المجتبى ٥/ ٢١٩. وابن ماجه، فى: باب الوقوف بجمع، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه ٢/ ١٠٠٦. والإمام أحمد، فى: المسند ٣/ ٣٠١، ٣١٨، ٣٣٢، ٣٣٧، ٣٦٦، ٣٦٧، ٣٧٨. (٧) سقطت واو العطف من: ب، م. (١) سورة البقرة ١٢٥. (٢) فى الأصل: "تقدم"، والمثبت فى: أ، ب، م، وصحيح مسلم. (٣) راوى الحديث عن جابر.