قد تقدَّم شَرْحُ هذه المسألةِ، وذكرْنَا أنَّ المُقِرّ بالحَدِّ متى رجعَ عن إقْرارِه تُرِكَ، وكذلك إن أَتَى بما يدُلُّ على الرُّجوعِ، مثل الهرَبِ، لم يُطْلَبْ؛ لأنَّ ماعِزًا لَمَّا هرَبَ، قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَلَّا تَرَكْتُمُوه؟ "(١). ولأنَّ مَن قُبِلَ رُجوعُه قَبْلَ الشُّروعِ في الحَدِّ، قُبِلَ بعدَ الشُّروعِ فيه، كالبَيِّنَةِ.
فصل: ويُسْتحَبُّ للإِمامِ، أو الحاكمِ الذي يثبتُ عندَه الحَدُّ بالإِقْرارِ، التَّعْرِيضُ له بالرُّجوعِ إذا تَمَّ، والوُقُوفِ (٢) عن إتْمامِه إذا لم يتِمَّ، كما رُوِى عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه أعْرَضَ عن ماعِزٍ حينَ أقرَّ عنده، ثم جاءَه من النَّاحِيَةِ الأُخْرَى، فأعْرَضَ عنه، حتى تمَّمَ إقْرارَه أربعًا، ثم قال:"لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، لَعَلَّكَ لَمَسْتَ"(٣). ورُوِىَ أنَّه قال لِلَّذِى أقرَّ بالسَّرِقة:"مَا إخَالُكَ فَعَلْتَ". روَاه سعيدٌ، عن سفيانَ، عن يَزِيدَ (٤) ابنِ خَصِيفةَ (٥)، عن محمد بن عبد الرَّحمن بن ثَوْبانَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (٦). وقالَ: حدَّثنا
= ولا يخفى أمر هذه الحيل ونسبتها إلى دين الإِسلام، وهل هي نسبة موافقة، أو هي نسبة مناقضة؟ ! . ومن ذلك يظهر بطلان القول بسقوط الحد، وأن ذلك من الحيل الباطلة. (٧٠) في م: "وإذا". (١) تقدم تخريجه، في صفحة ٣١٢. (٢) في الأصل: "والرجوع". (٣) تقدم تخريجه، في صفحة ٣٥٦. (٤) في م: "بريد". (٥) في ب: "حفصة". وهو يزيد بن عبد اللَّه بن خصيفة الكندي المدني. انظر: تهذيب التهذيب ١١/ ٣٤٠. (٦) وأخرجه أبو داود، في: باب في التلقين في الحد، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٤٧. والنسائي، في: باب تلقين السارق، من كتاب قطع السارق. المجتبى ٨/ ٦٠. وابن ماجه، في: باب تلقين السارق، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٦٦. والدارمى، في: باب المعترف بالسرقة، من كتاب الحدود. سنن الدارمي ٢/ ١٧٣. والإِمام أحمد في: المسند ٥/ ٢٩٣.