مُطَلِّقُهَا رَجْعَتَهَا؛ وذلك لأَنَّ الرَّجْعَةَ إنَّما تكونُ فى الْعِدَّةِ، ولا عِدَّةَ قبلَ الدُّخُولِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (١). فبَيَّنَ اللَّهُ سبحانَهُ أَنَّهُ لا عِدَّةَ عليها، فتَبِينُ بِمُجَرَّدِ طَلاقِهَا، وتَصِيرُ كَالْمَدْخُولِ بها بعدَ انْقِضاءِ عِدَّتِها، لا رَجْعَةَ عليها، ولا نَفقَةَ لها. وإِنْ رَغِبَ مُطَلِّقُهَا فيها فهو خاطِبٌ مِن الْخُطَّابِ، يِتَزَوَّجُها بِرِضَاها [بِنِكاحٍ جَدِيدٍ] (٢)، وتَرْجِعُ إليه بطَلْقَتَيْنِ. وإِنْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ تَزَوَّجَها، رَجَعَتْ إليه بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، بِغيرِ خِلافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَإِنْ طَلقَها ثَلاثًا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ (٣)، حَرُمَتْ عليهِ حتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غيرَه، فى قَوْلِ أَكْثَرِ أهلِ الْعِلْمِ. وقد ذَكَرْنا ذلك فيما مَضَى. وَلا خِلافَ بينهم فِى أَنَّ المُطَلَّقَةَ ثَلاثًا بعدَ الدُّخُولِ، لا تَحِلُّ له حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غيرَهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ سبحانَه: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٤). ورَوَتْ عائشةُ: أَنَّ رِفاعَةَ الْقُرَظِىَّ طَلَّقَ امْرأَتَهُ، فبَتَّ طَلاقَها، فتَزَوَّجَتْ بعدَهُ عبدَ الرحمنِ بنَ الزُّبَيْرِ، فجاءَتْ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالتْ: إنَّها كانَتْ عندَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَها آخِرَ ثَلاثِ تَطْلِيقَاتٍ، فتَزَوَّجَتْ بعدَهُ بِعبدِ الرحمنِ بنِ الزُّبَيْرِ، وإنَّهُ واللَّهُ ما معه إِلَّا مِثْلُ هذه الْهُدْبَةِ. وَأَخَذَتْ بِهُدْبَةٍ مِنْ جِلْبابِها. قالتْ: فتَبَسَّمَ رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ضاحِكًا، وقال: "لَعَلَّكِ تُرِيِدينَ أَنْ تَرْجِعِى إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ، وَتَذُوقِى عُسَيْلَتَهُ". مُتَّفَقٌ عليه (٥). وفى إِجْماعِ أهلِ العِلْمِ على هذا غُنْيَةٌ عن الإِطالَةِ فيه. وجُمْهُورُ أهلِ العِلْمِ على أَنَّها لا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حتَّى يَطَأَهَا الزَّوْجُ الثَّانِى وَطْئًا يُوجَدُ فيه الْتِقَاءُ الخِتَانَيْنِ، إِلَّا أَنَّ سعيدَ بْنَ المُسَيَّبِ مِن بَينهمْ قال: إِذا
(١) سورة الأحزاب ٤٩.(٢) فى الأصل: "نكاحا جديدا".(٣) سقط من: الأصل.(٤) سورة البقرة ٢٣٠.(٥) تقدم تخريجه فى صفحة ٥٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute