أَحْرَمَتْ بِالحَجِّ مع عُمْرَتِها، وتَصِيرُ قَارِنَةً. وهذا قولُ مالِكٍ، والأوْزاعِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وكَثِيرٍ من أهْلِ العِلْمِ. وقال أبو حنيفةَ: تَرْفُضُ العُمْرَةَ، وتُهِلُّ بِالحَجِّ. قال أحمدُ: قال أبو حنيفةَ قد رَفَضَتِ العُمْرَةَ فصارَ (٢) حَجًّا، وما قال هذا أحَدٌ غيرُ أبى حنيفةَ. وَاحْتَجَّ بما رَوَى عُرْوَةُ، عن عائشةَ، قالت: أهلَلْتُ (٣) بِعُمْرَةٍ، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وأنا حَائِضٌ، لم أَطُفْ بِالْبَيْتِ، ولا بين الصَّفَا والمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذلك إلى رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال:"انْقُضِى رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِى، وأَهِلِّى بِالْحَجِّ، وَدَعِى العُمْرَةَ". قالت: فَفَعَلْتُ. فلمَّا قَضَيْنَا الحَجَّ أرْسَلَنِى رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع عبدِ الرحمن بن أبى بكرٍ إلى التَّنْعِيمِ، فاعْتَمَرْتُ معه. فقال:"هذِهِ عُمْرَةٌ مَكَانَ عُمْرَتِكِ". مُتَّفَقٌ عليه (٤). وهذا يَدُلُّ على أنَّها رَفَضَتْ عُمْرَتها، وأحْرَمَتْ بِحَجٍّ من وُجُوهٍ ثلاثةٍ؛ أحدُها، قولُه:"دَعِى عُمْرَتَكِ". والثانى، قولُه:"وَامْتَشِطِى". والثالث، قوله:"هذه عُمْرَةٌ مَكَانَ عُمْرَتكِ". ولَنا، ما رَوَى جابِرٌ، قال: أقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ، حتى إذا كانت بِسَرِفٍ عَرَكَتْ (٥)، ثم دَخَلَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عائِشةَ، فوَجَدَها تَبْكِى، فقال:"مَا شَأْنُكِ؟ " قالتْ: شَأْنِى أنِّى قد حِضْتُ، وقد حَلَّ النّاسُ، ولم أحِلَّ، ولم أَطُفْ بِالْبَيْتِ، والناسُ يَذْهَبُونَ إلى الحَجِّ الآن. فقال:"إنَّ هذَا أَمْرٌ (٦) كَتَبَهُ اللَّه عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاغْتَسِلِى، ثُمَّ أَهِلِّى بِالحَجِّ" فَفَعَلَتْ، وَوَقَفَتِ المَواقِفَ، حتى إذا طَهُرَتْ، طَافَتْ بالكَعْبَةِ، وبِالصَّفَا والمَرْوَةِ. ثم قال:"قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وعُمْرَتِكِ". قالتْ: يا رسولَ اللَّه، إنِّى أجِدُ (٧) فى نَفْسِى أنِّى لم أطُفْ بِالْبَيْتِ (٨)
(٢) فى الأصل: "وصارت". وفى ا: "وصار". (٣) فى أ، ب، م: "أهللنا". (٤) تقدم تخريجه فى صفحة ٢٤٢. (٥) عرَكَت المرأة، تعرُك عَرْكًا وعراكًا وعُروكًا: حاضت. (٦) سقط من: أ. (٧) من الوجد، وهو الحزن. (٨) سقط من: الأصل.