من المعلوم أن الصلاة فرضت بمكة، فهل شرع الوضوء معها بمكة، أو أن الوضوء شرع بالمدينة حين نزلت آية المائدة، وهي مدنية:{يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ... }(١).
فقيل: إن الوضوء فرض بمكة، ونزوله في آية المائدة تثبيت لهذا الحكم، لا أكثر، وهذا اختيار ابن عابدين من الحنفية (٢).
وقيل: إن فرض الوضوء إنما شرع بالمدينة، وكان الوضوء بمكة سُنَّة (٣).
وقيل: إن الوضوء لم يشرع إلا بالمدينة، وهو اختيار ابن حزم (٤).
قال ابن حجر: وتمسك بهذه الآية من قال: إن الوضوء أول ما فرض ... بالمدينة، فأما ما قبل ذلك فنقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غسل الجنابة إنما فرض على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو بمكة، كما فرضت الصلاة، وأنه لم يصل قط إلا بوضوء، قال: وهذا مما لا يجهله عالم.
وقال الحاكم في المستدرك: وأهل السنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة، ثم ساق حديث ابن عباس دخلت فاطمة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي تبكي فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك، فقال: ائتوني بوضوء، فتوضأ. الحديث.
(١) آية المائدة: ٦. (٢) حاشية ابن عابدين (١/ ٩١). (٣) شرح الزرقاني (١/ ٦٤)، مواهب الجليل (١/ ١٨٠، ٣٨٠)، فتح الباري (١/ ٢٣٣). (٤) المحلى (١/ ١٩٨).