جاء فى الحديث الصحيح فى الموطأ وغيره بمعنى ما تقدم أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال - وهو يشير إلى المشرق -: " إن الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان - أو قال: قرن الشمس "(١) وهو محمول على ما تقدم من الوجوه كلها.
ويدل على صحة هذا التأويل أيضاً دعاء النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مضر فى غير موطن (٢).
وقوله: فى حديث حذيفة: " لا تدعُ مضَرُ عبْداً لله مؤمنًا إلا فتنوه أو قتلوه "(٣)، [وقد بينه](٤) حذيفة حين دخلوا عليه عند قتل عثمان حين ملؤوا حجرته وبيته من ربيعة ومُضَر فقال: " لا تبرح ظَلمةُ مضر كل عبد مؤمن تفتنه وتقتله "(٥).
قال الطحاوى: المراد بمضر هنا بعضهم كما بينه حذيفة، والعرب تقول مثل هذا فى الأشياء الواسعة، تضيف ما كان من بعضها إلى جملتها، كما قال تعالى:{وَكذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقّ}(٦) ولم يرد الجميع، وكذلك يحمل على هذا ما ورد فى الحديث المتقدم، والأحاديث يصدق بعضها بعضاً على ما رجحناه من التأويل (٧).
وقوله:" الإيمان يمان، والحكمة يمانية ": فعلى قول أبى عبيد أنه أراد مكة وما
(١) الحديث بهذا اللفظ مع تقديم وتأخير أخرجه البخارى، ك الفتن، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الفتنة من قبل المشرق " ٩/ ٦٧ وفيه قرن الشمس قبل قرن الشيطان، وأخرجه الترمذى بلفظ جذل الشيطان أو قال: قرن الشيطان، ك الفتن، وهو عند مالك ومسلم بغير ذكر قرن الشمس، ومالك فى الموطأ، ك الاستئذان، ب ما جاء فى المشرق ٢/ ٩٧٥، ومسلم فى الفتن وأشراط الساعة، ب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرناً الشيطان ٤/ ٢٢٢٨، وأحمد فى المسند ٢/ ٢٣، ٩٢، ١١١، ١٢١، جميعاً عن ابن عمر. (٢) سبق تخريجه. (٣) وفى المسند ٥/ ٣٩٥، وابن أبى شيبة فى المصنف ١٥/ ١١ بلفظ: عبد الله، وهو جزء حديث لهما. (٤) فى نسخة إكمال الإكمال نقلها هكذا: وكذا قال لهم. (٥) الطحاوى فى مشكل الآثار ١/ ٤٣٦ بنحوه. قال الطحاوى: ولم يرد بذلك - رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى دعائه على مضر - كل مضر، وكيف يكون يريد بذلك كل مضر وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مضر. (٦) الأنعام: ٦٦. (٧) مشكل الآثار ١/ ٤٣٦.