وقول ابن جريج لابن عمر:" رأيتك تصنع أربعاً لم أر أحداً من أصحابك يصنعها "، قال الإمام: وقوله: " تكذبون فيها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": محمول أنه أراد أن ذلك وقع منهم على جهة السهو، ولا يظن به أنه كان ينسب إلى الصحابة [تعمد](١) الكذب الذى لا يحل.
وقوله: كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك. فيقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" قَدٍ قَدٍ "(٢) أى كفاكم هذا الكلام الصحيح المستقيم الحق، إنكاراً لما كانوا يُذيلون به قولهم هذا من قولهم:" إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك " فعند قوله: " قَدْ قَدْ " تم كلام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم رجع فى الحديث إلى حكاية كلام الكفار الذى (٣) حكيناه، وفيه إن لم يُبَين هكذا تلفيق فى الأم لمن لم يعلم، ومعنى " قَدٍ قَدٍ ": كفى كفى، مثل قط قط، تقال بكسر الدال فيهما وسكونها.
[وذكر (٤)] لمس الركنين اليمانيين، ولبس النعال السبتية ... الحديث، قال الإمام: يحتمل أن يريد لا يصنعها غيرك مجتمعة، وإن كان يصنع بعضها، ثم سمّى له علة فعله فى الثلاث، وأنه رأى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذلك، ويحتمل [أنه](٥) - عليه السلام - إنما خصّ هذين الركنين بأنهما على قواعد إبراهيم - عليه السلام - وترك الآخرين لما قصرا عن قواعد إبراهيم.
قال القاضى: على هذا اتفاق أئمة الأمصار والفقهاء، وإنما كان الخلاف فى ذلك قديماً من بعض الصحابة والتابعين.
(١) من س. (٢) الحديث تقدم فى الباب السابق رقم (٢٢). (٣) فى س: بالذى. (٤) من س. (٥) فى ع: أن يكون.