وقوله:" إذا قرأ ابن آدم السجدة (١) اعتزل الشيطان يبكى "، قال الإمام: احتج به أصحاب أبى حنيفة فى أن سجود التلاوة واجب لتشبيه إبليس إياه بسجوده لآدم. قلنا: يحتمل أن يكون لم يرد المشابهة فى الأحكام بل فى كونه سجوداً، فذكر [به](٢) ما سلف له، ولكن إنما يصح لهم الحجة إذا وجب التعلق بما قال لقوله: أُمِرَ ابن آدم، على قول الأشعرى وغيره: أن المندوب إليه [غيرُ مأمور به](٣).
قال القاضى: أصل السجود فى اللغة الميلُ والخضوع، قال يعقوب: أسجَدَ الرجلُ إذا طأطأ رأسه، وسجد إذا وضع جبهته فى الأرض، وقال ابن دريد: أصل السجود إدامة النظر مع إطراق إلى الأرض وكذلك أسْجد.
وقال غيره: سجدت النخلة: مالت، وسجدت الناقة: طأطأت رأسها. وقال المفسرون أيضاً: كان سجود الملائكة لآدم تحية لا عبادة له وطاعة (٤) لله، وقد كان - فيما ذكر قبل - السجودُ للتحية، والتكرمة مباحاً (٥)، وقيل ذلك فى قوله
(١) أى: وسجدها. إكمال ١/ ١٨٧. (٢) من المعلم. (٣) عبارة المعلم: لا يكون مأموراً به. (٤) وقيل: سجود تشريف وتكريم وتعظيم. تفسير القرآن العظيم ٥/ ١٦٣. (٥) فقد أخرج ابن ماجه وأحمد عن عبد الله بن أبى أوفى قال: قدم معاذٌ اليمن - أو قال: الشام - فرأى النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، قال: فوددت فى نفسى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحق أن يُعظّم، فلما قَدِم قال: يا رسول الله، رأيتُ النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، فوددتُ فى نفسى أنَّك أحق أن تعظم، فقالَ: " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأة أن تسجُدَ لزوجها " الحديث، ابن ماجه فى النكاح، ب حق الزوج على المرأة ١/ ٥٩٥ وأشار محققه لصحته، وأحمد فى المسند ٤/ ٣٨١.