وقيل: بل لما فى ذلك من الدعاءِ للصلاة التى فيها السجود الذى بسبب تركه وعصيانه عنه لُعن الشيطان. قال بعضُهم: وهذا يردُّه ما ذكر فى الحديث أنه: " إذا قُضِى التثويبُ أقبل ... " وذكر وسوستَهُ للمُصلى.
وقد لا يلزم هذا الاعتراض، إذ لعل نفارَه إنما كان من سماع الأمر والدعاء بذلك لا برؤيته ليغالط نفسه أنه لم يسمع دعاءً ولا خالف أمرًا. وقيل: بل ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان، وانقطاع طمعه أن يصرف عنه الناس، حتى إذا سكت رجع لحاله التى أقدره الله عليها، من تشغيب خاطره ووسوسة قلبه.
وقوله:" حتى إذا ثُوب بالصلاة ": قال الطبرى: ثوب أى صُرخ بالإقامة مرة بعد مرة ورُجِّع، وكل مُردِّدٍ صوْتًا بشىء فهو مثوِّبٌ، ولهذا قيل للمُرجِّع صوته بالأذان بقوله:" الصلاة خيرٌ من النوم ": مُثوِّبٌ، وأصله من ثاب إلى الشىء إذا رجَعَ، قال غيره: وإنما قيل لقوله: " الصلاة خير من النوم " تثويبًا؛ لأنهُ راجعٌ إلى معنى ما تقدَّم من قوله:" حى على الصلاة حى على الفلاح "، وقيل: لتكراره له مرتين. قال الخطابى: التثويب: الإعلام بالشىء ووقوعه، وأصله: أن الرجل إذا جاء فزعًا لوَّح بثوبِه (١)، وقال ابن نافع: معناه: إذا نودى لها، وقال الهروى: التثويب - أيضاً - الإقامة، وقال عيسى بن دينار: معناه: أقيمت الصلاة (٢)، وهذا أصح التفسير بدليل قوله فى الأم فى هذا الحديث من رواية ابن أبى شيبة:" فإذا سمع الإقامة ذهب "(٣)، ولما جاء فى الحديث الآخر:" إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون " ويروى: " أقيمت الصلاة ".
(١) معالم السنن ١/ ١٥٥. (٢) المنتقى ١/ ١٣٣. (٣) ابن أبى شيبة فى مصنفه ١/ ٢٢٩.