وقوله:" ترجف بوادره ": قال الإمام: ترجُف: أي ترعدُ [بوادره وتضطرب](١) والبوادر من الإنسان وغيره: اللحمة التى بين المنكب والعنق (٢). قاله أبو عبيد فى الغريب المصنف. [وقوله:" زملونى ": أى دثرونى بالثياب] (٣).
قال القاضى: قد رواه فى الأم - أيضاً - فى الحديث الآخر:" يرجُفُ فؤاده " وذكره البخارى - أيضاً - أى يخفق، والرجفان: الاضطرابُ وكثرةُ الحركة ومنه: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ}(٤)، وهذا هو سبب طلبه أن يُزَمَّل ويُدثَّر، أى يُغَطَّى وَيُلفُّ بالثياب، لِشدَّة ما أصابه من هول الأمر، ولحقه من شِدَّة الغطِّ وثِقَلِ الوحى، وإن كان قد قال بعض المفسرين: إنه إنما كان يفعل هذا فَرقًا من جبريل لأول ما يلقاهُ حتى أنس به، وقيل: بل قيل له: يا أيها المدَّثر والمزمِّل لأنه حين أتاه الملك وجده متزملاً ملتفاً بثوبه فنودى بصفة حاله. والأول أصح وأولى لفظاً ومعنًى. والتزمُّل والتدثر واحدٌ.
ويقال لكل ما يلقى على الجسد: دثارٌ، ولِلفَافَةِ القربهِ: زمالٌ، ومعنى المزَّمِّل والمدثر: المتزمّلُ والمتدثرُ، أدغَمت التاء فيما بعدها، وقد جاء فى أثر أنهما من أسمائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٥).
وقوله:" لقد خشيتُ على نفسى ": ليس بمعنى الشك فيما أتاه من الله، لكنه
(١) من المعلم. (٢) نقلها الأبى: العنق والكتف. (٣) من المعلم. (٤) المزمل ١٤. (٥) لم أقف عليه. وغاية ما يقال هنا ما ذكره ابن رشد فى حديث: " لى خمسةُ أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحى الذى يمحو الله بى الكفر، وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على قدمى، وأنا العاقب " قال: ليس فى اللفظ ما يدل على أنه ليس له اسم غيرها، قال الأبى: " وأيضاً فإنها كلها مشتقة كما أشار إليه بقوله: " الذى يمحو الله بى الكفر " فلا يمنع أن تكون له أسماء مشتقة من صفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما روى أنه قال: " وأنا المقفى، ونبى التوبة؛ ونبى الملحمة " فالمقفى كالعاقب يقفو ويعقب من تقدمه من الأنبياء - عليهم السلام - ونبى التوبة؛ لأن به تاب الله - سبحانه - على من تاب، ونبى الملحمة الذى يكف بالقتال عن الدين، فلم يذكر المدثر والمزمّل كما نرى ". إكمال ١/ ٢٨٤.