آخر تقديمهم كما وصل به من قوله:" ما تعدون الصرعة؟ " فقالوا: الذى يصرع الرجال، قال:" ليس بذلك، ولكنه الذى يملك نفسه عند الغضب "، فكأنه قال: ليس الرقوب بالحقيقة ولا الصرعة بالحقيقة من ذكرتم، لكنه هذان الآخران، ذلك لما فقده فى أخراه، وهذا لما ملك نفسه وصرعها عند غضبه، ولم ينف اسم اللغة عن المسمين.
قيل: وفى هذا فضل كظم الغيظ وأن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو؛ لأن النبى - عليه السلام - جعل غلبته لنفسه أشد من غلبته لمناوئه، قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}(١) قيل فيه: جهاد النفس، وفى الحديث:" رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر "(٢).
والصرعة بضم الصاد وفتح الراء الذى يكثر صرع الناس وغلبتهم، وكذلك كل من يكثر منه الشىء، يقال فيه: فعله مثل ضحكه وهزوه وخدعه وصرعه، فإذا سكنت ثانيها فعلى
(١) العنكبوت: ٦٩. (٢) كشف الخفاء ١/ ٤٢٤ (١٣٦٢) وفيه: قال الحافظ ابن حجر: هو مشهور على الألسنة، وهو من كلام: إبراهيم بن عيلة، وقال العراقى فى تحقيقه على الإحياء: رواه البيهقى بسند ضعيف عن جابر، ورواه الخطيب فى تاريخه عن جابر بلفظ أطول من ذلك.