الآخر، وكما قيل فى قوله تعالى:{وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَب}(١).
قوله: - عليه السلام -: " والذى نفسى بيده، لقد عرضت علىّ الجنة " أدْنى كلمة تهدد وتلهف، وقوله:" لقد عرضت علىّ الجنة والنار عرض هذا الحائط " بضم العين، أى جانبه، وقيل: وسطه يحتمل وجهين: أحدهما: أنه عرضت له حقيقة فى جهة الحائط، وإلا فالجنة والنار لا يتسع فى الحائط ولا يحل فيه، ويدل على هذا التأويل من عرضها له حقيقة قوله فى الحديث الأخر:" فتناولت منها عنقوداً "، أو يكون ضرب لها مثلها وشرح له أمرها بإمراريه فى الحائط وجهته، ويدل - أيضاً - على صحة هذا التأويل قوله فى الرواية الأخرى: ["صورت لى الجنة "، وعليه يدل لفظه فى الحديث الآخر بعده] (٢)" صورت لى الجنة والنار، فرأيتهما دون هذا الحائط ".
وقول أم حذافة:" أأمِنْتَ أن تكون أمك قارفت بعض ما تقارف نساء الجاهلية فتفضحها ": أى عملت ذنبًا، يريد الزنا، واكتسبته، قال الله تعالى:{وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ}(٣). وكان سبب سؤال حذافة أن بعض الناس كان يطعن فى نسبه، وقد بين ذلك فى الحديث الآخر، ولم يسمه، فقال:" كان يلاحى ويدعى لغير أبيه " أى يخاصم ويشاتم. والملاحاة: الخصام والسباب.
وقوله:" سألوه حتى أحفوه ": أى أكثروا عليه فى المسألة والإلحاح: وأخطأ فى السؤال وألحف بمعنى: ألح وبالغ.
وقوله:" فلما سمع ذلك القوم أرموا ". قال الإمام: سكتوا. قال صاحب الأفعال: أرم القوم: سكتوا لشىء هابوه، والعظم صار فيه رم وهو المخ، والأرض صار شجرها رميماً من الجدب.
قال القاضى: وأصله من المرمة وهى الشفة، أى ضموا شفاههم بعضها على بعض ولم يتكلموا. وأصل المرمة فى ذوات الأظلاف بمنزلة الشفة من الإنسان، يقال منه: رمت الشاة النبات: إذا تناولته بشفتيها. وفى الحديث فى ذكر سمن البقر: فإنها ترم من كل الشجر.
(١) الأعراف: ١٥٤. (٢) سقط من الأصل، والمثبت من ح. (٣) الأنعام: ١١٣.