وقوله فى الحديث الآخر:" أنا محمد، وأحمد، وأنا المقفى ". فمعناه معنى العاقب، قال: شمر: هما بمعنى، يقال: قفى عليه، أى ذهب به، فكان معناه: أنا آخر الأنبياء. وقال ابن الأعرابى: المنتقى: المتبع للنبيين، يقال: قفوته أقفره وقفيته: إذا تبعته، ومثله: قفته أقوفه، قال تعالى:{ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} الآية (١)، وقال تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}(٢)، وقافية كل شىء وقفاه آخره، ومنه: قافية الشعر.
قال الإمام: ومعنى العاقب: آخر المرسلين، وأنه أرسل عقبهم.
قال القاضى: قال ابن الأعرابى: العاقب والعقوب: الذى يخلف من كان قبله فى الخبر. قال أبو عبيد: ومن هذا سمى عقب الرجل لولده بعده.
وقوله:" ونبى التوبة ونبى الرحمةِ " ويروى: " المرحمة "، ومعنىِ هذا متقارب، قال الله تعالى فى صفته:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}(٣)، وقال:{وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(٤)، {ويَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّستَقِيمٍ}(٥)، وقال:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(٦)، ووصف أمته بأنها مرحومة ورحماء، وبأنهم تواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.
ووقع فى بعض روايات مسلم مكان " الرحمة ": " الملحمة "(٧). وهذا - أيضاً - صحيح المعنى، فقد جاء مفسرًا فى حديث حذيفة:" ونبى الملاحم "؛ لأنه - عليه السلام -
(١) الحديد: ٢٧. (٢) الأسراء: ٣٦. (٣) التوبة: ١٢٨. (٤) آل عمران: ١٦٤، الجمعة: ٢. (٥) المائدة: ١٦. (٦) الأنبياء: ١٠٧. (٧) ليس فى النسخة المطبوعة التى بين أيدينا، ويوجد فى مسند أحمد ٥/ ٤٠٥.