وقوله: " وأحياناً يأتينى فى صورة الرجل فأعى ما يقول ": ذكر هذين الوجهين من الوحى ولم يذكر الثالث، وهى الرؤيا. وقد أعلم - عليه السلام - أن رؤيا الأنبياء وحى (١)؛ لأنهم إنما سألوه عن إتيانهم فى اليقظة، وأما الرؤيا فمشتركة فى كيفيتها غيره وقد عرفوها، فلم يشكل عليهم ولا سألوه عنها.
وقوله: " فأعى ما يقول ": أى أحفظه وأجمعه فى صدرى، قال الله تعالى:{وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}(٢) أى حافظة لما سمعت، عاقله به، وقال:{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ}(٣) أى يجمعون فى صدورهم من تكذيبك.
وقوله: " كرب لذلك، وتربد وجهه "، [قال الإمام: يقال: كربه للأمر كرباً: أخذ بنفسه، وتربد وجهه](٤): أى تغير. وقال الهروى: ويقال: تربد وجهه وأربد، أى تلون وصار كلون الرماد. وذكر هذا الحديث، [ومنه حديث: " كان إذا نزل عليه الوحى أربد وجهه "] (٥). ومنه حديث عمرو بن العاص: " مقام من عند عمر مربد الوجه ". قال أبو عبيد: الربدة: لون بين السواد والغبرة، ومنه قيل للنعام: ربد، جمع ربد.
وقوله: " فلما أتلى عنه ": الظاهر أى أراد خلى عنه وترك، ولكن حكاه ابن القوطية فى كتاب الأفعال ثلاثياً، فقال: تليت لى من حقى تلية وتلاوة ومن الشهر كذلك بقيت، وتلوت القرآن تلاوة: اتبعت بعضه بعضاً، والخبر أخبرته، والشىء تلواً تبعته،
(١) فى ح: حق. (٢) الحاقة: ١٢. (٣) الإنشقاق: ٢٣. (٤) فى هامش ح. (٥) من ع.