وقوله:" من حلف على يمين صبرٍ فاجرة "، قال الإمام: أصلُ الصبر: الحبسُ والإمساك، يقال: صبَر فلانٌ فلانًا إذا حبسه، وكل من حبسته لقتلٍ أو يمين فهو قتلُ صَبْرٍ ويمينُ صَبْر، وأصبَره الحاكم على اليمين (١) أكرهه على يمين صبر. قاله (٢) الهروى وغيرهُ. وقال [أبو](٣) العباس (٤): الصبر ثلاثة أشياء: الإكراه، ومنه: أصبره الحاكم. والحبْسُ، ومنه: صبرته إذا حبسته. والجرأة، ومنه قوله تعالى:{فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}(٥).
قال القاضى: يمينُ الصبر هى التى يَصْبرُ صاحبُها، أى يحبس ويُكره حتى يحلفها، وقد يكون من معنى الجرأة والإقدام عليها كما قال ثعلب. ومعنى فاجرة: أى كاذبة.
ولم يأت فى الحديث هنا الخبر عن هذا الحالف، إلا أن تعطفه على قوله قبلُ:" ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثَّر بها لم يزده الله بها إلا قلةً " أى: وكذلك الحالف اليمين الفاجرة مثل هذا. وقد ورد معنى هذا الحديث مُبَيَّنًا تامًا فى حديث آخر:" من حلف على يمين صبر ليقتطع بها مالَ امرئ مسلم هو فيها فاجر، لقى الله وهو عليه غضبان "(٦).
= ممحقة للكسب ". وهو هناك عن أبى هريرة. واللفظ الذكور قريب من لفظ أحمد والبيهقى وهو لهما بلفظ: " اليمين الكاذبة " أحمد فى المسند ٢/ ٢٣٥، ٢٤٢، ٤١٣، والبيهقى فى السنن الكبرى ٥/ ٢٦٥. (١) فى المعلم: على الشىء. (٢) فى الأصل: وقال، والمثبت من المعلم. (٣) من المعلم. وانظر: غريب الحديث ١/ ٢٥٤. (٤) أبو العباس هو العلامة المحدث، إمام النحو أحمد بن يحيى بن يزيد الشَّيبانى، الملقب بثعلب، وُلد سنة مائتين ومات سنة إحدى وتسعين ومائتين. قال فيه الخطيبُ: ثقة، حجة، ديّنٌ، صالح، مشهور بالحفط. طبقات النحويين واللغويين ١٤١. تاريخ بغداد ٥/ ٢٠٤، سير ١٤/ ٥. (٥) البقرة: ١٧٥. (٦) سيرد إن شاء الله فى ب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة، وقد أخرجه البخارى فى أكثر من موضع، راجع: ك التفسير ٦/ ٤٣، ك المساقاة، ب الخصومة فى البئر ٣/ ١٤٥، وأخرجه الطبرانى فى الكبير بزيادة: " عفا عنه أو عاقبه " ١٨/ ١٨٧.