وقوله في الرواية الأخرى:" كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غار فنكبت إصبعه "، قال القاضى أبو الوليد الكنانى: لعله غار مصحف من غرو، ولما جاء بعد:" فى بعض المشاهد ". ورواية البخارى (٢): بينا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشى إذا جاءته حجر.
قال القاضى: قد يراد بالغار هنا الجيش والجمع، لا واحد الغيران التى هى الكهوف، فيوافق قوله:" فى بعض المشاهد ".
وقوله: يمشى ولا يعد شىء منه وهماً، وفى حديث على جمع بين هذين الغارين، أى الجمعين والعسكرين.
قال الإمام: ذكر مسلم فى حديث جندب بن صفوان في إبطاء جبريل بالوحى: عن إسحاق بن إبراهيم، عن ابن عيينة، عن الأسود، عن جندب. كذا إسناده عند الجلودى والكِسَائى، وكذا أخرجه الدمشقى من حديث مسلم. وفى نسخة ابن ماهان: نا أبو بكر ابن أبى شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعاً، عن ابن عيينة. زاد فى الإسناد: نا أبو بكر بن أبى شيبة قال. وقول المشركين: قد ودع محمد، فأنزل الله تعالى:{وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} إلى آخرها، قال الإمام: قال ابن عباس: {مَا وَدَّعَك}: ما قطعك منذ أرسلك، {وَمَا قَلَى}: ما أبغضك. وسمى الوداع وداعاً؛ لأنه فراق ومتاركة. وفى الحديث:" الحمد لله غير مودع ربى ولا مكفور "(٣): أى غير تارك طاعة ربى.
قال القاضى: هذه قراءة الجمهور مشددة، وقرأ بعضهم:" ما ودعك " مخففة. قال أبو عبيدة: من ودعه يدعه، معناه: ما تركك. وأهل النحو ينكرون أن يأتى منه ماض أو مصدر، وإنما جاء منه المستقبل والأمر لا غير عندهم، وكذلك " يذر ". وقد جاء الماضى والمستقبل منهما وفى مسلم:" لينتهين قوم عن ودعهم الجمعة "(٤)، وفى مسلم والبخارى:" من ودعه الناس لشره أو فحشه "(٥). وقال الشاعر:
(١) الضحى: ١ - ٣. (٢) البخارى، ك الأدب، ب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه ٨/ ٤٣. (٣) الدارمى، ك الأطعمة، ب الدعاء بعد الفراغ من الطعام ٢/ ٢١. (٤) مسلم، ك الجمعة، ب التغليظ فى ترك الجمعة برقم (٨٦٥) بلفظ: " الجمعات ". (٥) البخارى، ك الأدب، ب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب ٨/ ٢٠، مسلم ك البر والصلة والآداب، ب مداراة من يتقى فحشه برقم (٢٥٩١).