وقوله:" كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً، قبل أن يأمرَه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الإمام: احتج بهذا [الشاهد](٢) على جواز الطلاق ثلاث فى كلمة واحدة، وانفصل أصحابنا عن هذا بأنها قد بانت منه باللعان، فوقعت الثلاث على غير زوجة، فلم يكن لها تأثير. قالوا: لأنه خرج النسائى عن محمود بن لبيد قال: أخبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً، فقام صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضبان فقال: " أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حىّ " وقام رجل آخر فقال: يا رسول الله، ألا أقتله (٣).
فالأخذ بالمنع بهذا الحديث أولى من حديث المتلاعنين، مع الاحتمال الذى فيه.
وقد اختلف الناس - أيضاً - فى المتلاعنين، هل تقع الفرقة بنفس اللعان، أو حتى يقضى القاضى بالفراق، فقال أبو حنيفة: حتى يقضى القاضى بالفراق، لقوله: " فرق بينهما "، وهذا إشارة للحكم. وعندنا: أنه لا يفتقر إلى حاكم، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى طريق آخر: " أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها "، ولقوله: فَفَارَقها عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذاكم التفريق بين كل متلاعنين "، ولم يعتبر قضية القاضى.
وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا سبيل لك عليها ": حمله جمهور العلماء على العموم، فلا تحل له أبداً، قال بعض أصحابنا: ومن جهة المعنى كأنه أدخل لبساً فى النسب فعوقب
(١) النور: ٦ - ٩. (٢) غير واضحة فى الأصل، ويرجح أنها كما أثبت. (٣) النسائى، ك الطلاق، ب الثلاث المجموعة وما فيه من التغليظ ٦/ ١٤٢.