قال القاضى: وقد ورد فى الحديث من رواية البخارى: " ألا تراه قال: لا إله إلا الله يبتغى بها وجه الله "(١)، فهذه الزيادة تُخرِسُ غلاة المرجئة، وأن الحجة فى هذا الحديث، وفعل عتبان [بن مالك](٢) وطلبه للنبى -عليه السلام- للصلاة فى بيته لعذره الذى ذكر فى الحديث، وليحصل له الفضل فى أمر الصلاة، حيث رسم له [عليه السلام](٣)[وصلى فى بيته بعض ما فاته من الصلاة فى جماعة قومه وأن كان أمامهم](٤) لعذر (٥) بصره، وأن ذلك ربما منعه من النهوض إلى مسجد قومه إذا كان السيل والظلام، كما قال فى الحديث نفسه من غير هذه الرواية (٦).
وفيه: إباحة مثل هذا العذر التخلف عن الجماعة، وإباحة التحدث مع المصلين فى غير المساجد [ما لم يكن المحدثان عن يمين المصلى وعن شماله](٧) لقوله: " فهو يصلى وأصحابه يتحدثون "، وقد وقع فى هذا الحديث من طرق كثيرة " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَّ بأهل الدار "(٨) فلعل حديثه وصلاته هذه كان فى حين آخر غير الصلاة التى أمهم فيها، أو يكون أمَّ بجماعة
(١) البخارى فى صحيحه، ك الصلاة، ب المساجد فى البيوت، وصلى البراءُ بن عازب فى مسجده فى دارِه جماعة، ولفظه فيه: فقال قائل منهم: أين مالك بن الدُخَيشن أو ابن الدُّخْشنِ؟، فقال بعضهم: ذلك منافق، لا يحبُ الله ورسوله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقل ذلك، ألا تَراه قد قال: لا إله إلا الله، يريدُ بذلك وجه الله؟ " قال: الله ورسولهُ أعلمُ. قال: فإنَّا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإنَّ الله حرَّم على النار من قال: لا إله إلا اللهُ يبتغى بذلك وجه الله " ١/ ١١٦. وبقريب من اللفظ الذى ساقه القاضى أخرجه البخارى من حديث محمود بن الربيع قال: سمعت عتبان بن مالك الأنصارىَّ ثم أحد بنى سالم قال: غدا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لن يُوافَى عبْدٌ يومَ القيامة يقول: لا إله إلا الله يبتغى بها وجه الله إلا حَرَّم الله عليه النار " ك الأدب، ب العمل الذى يبتغى به وجه الله ٨/ ١١١، كذلك أخرجه فى ك الديات، ب ما جاء فى المتأولين بتقديم وتأخير ٩/ ٢٣. ومالك بن الدُّخشم بن مالك بن الدُّخْشَم بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف. قال ابن عبد البر بعد أن ساق قول ابن إسحاق وموسى والواقدى أنه شهد العقبة: لم يختلفوا أنه شهد بدراً وما بعدها من المشاهد، وهو الذى أسر يوم بدر سهيل بن عمرو: الاستيعاب ٣/ ١٣٥٠. (٢) من ق. (٣) سقط من ت. (٤) سقط من أصل ت، واستدرك بالهامش مكرراً اللفظين الآخرين. (٥) فى ت: بعذر. (٦) وهى ما جاءت بها رواية البخارى الأولى السابقة ولفظها: " أن عُتْبان بن مالك وهو من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن شهد بدراً من الأنصارِ أنه أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، قد أنكرت بصرى، وأنا أصلى لقومى، فإذا كانت الأمطار سال الوادى الذى بينى وبينهم، لم أستطع أن آتى مسجدَهم فأصلى بهم ... " الحديث، وكذا ابن ماجه ١/ ٢٤٩، الطيالسى ١٧٤. (٧) جاءت فى إكمال الإكمال: ما لم يكن أحد المتحدثين عن يمينه والآخر عن شماله ١/ ١٢٦. (٨) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرجه البخارى وأحمد واللفظ للبخارى: " فقام وصففنا خلفه، ثم سَلَّم وسلَّمنا حين سلَّم "، ك الصلاة، ب من لم يرد السلام على الإمام ١/ ٢١٣، أحمد فى المسند ٤/ ٤٤.