هدى ممن أردف العمرة على حجة، كما سيأتى إن شاء الله.
قال الإمام: واختلف الناس ما الأفضل: هل الإفراد أم القران أم التمتع؟ فقال مالك (١) وغيره: الإفراد، وقال أبو حنيفة (٢) بالقران، وقال الشافعى (٣) وأهل الظاهر: التمتع، وسننبه على ما احتج به هؤلاء، وعلى ما اختاروه فيما بعدُ. واختلف الرواة - أيضاً - فيما فعله النبى - عليه السلام - هل كان إفراداً أم قراناً أم تمتعاً؟ وقد اعترض بعض الملحدة على هذا الاختلاف، وقالوا: هى فعلةٌ واحدةٌ، فكيف اختلفوا فيها هذا الاختلاف المتضاد، وهذا يؤدى إلى الخلف فى خبرهم، وقلة الثقة بنقلهم، وعن هذا الذى قالوا (٤) ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن الكذب إنما يدخل فيما طريقة النقل، ولم يقولوا: أنه - عليه السلام - قال لهم: إنى فعلت كذا، بل إنما استدلوا على معتقده بما ظهر لهم من أفعاله، وهو موضع تأويل، والتأويل يقعُ فيه الغلط، فإنما وقع لهم فيما طريقة الاستدلال لا النقل. والجواب الثانى: أنه يصح أن يكون - عليه السلام - لما أمر بعض أصحابه بالإفراد، وبعضهم بالقِران، وبعضهم بالتمتع، أضاف النقلة إليه ذلك فعلاً، وإن كان إنما وقع [ذلك](٥) منه قولاً، فقالوا: فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا، كما قالوا: رجم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماعِزاً وقتل السلطان اللص، أى أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجمه والسلطان بقتله.
والجواب الثالث: أنه يصح أن يكون - عليه السلام - قارناً، وقرن بين زمان إحرامه بالعمرة وإحرامه بالحج، فسمعت طائفة قوله الأول:" لبيك بعمرة "، فقالوا: كان معتمراً، وسمعت طائفة قوله آخراً:" لبيك بحج (٦) " فقالوا: كان مفِرداً، وسمعت طائفة القولين معاً، فقالوا: كان قارناً، وهذا التأويل يكون فيه حجة لأبى حنيفة [فى قوله](٧): إن القران أفضل إذا كان هو الذى فعله - عليه السلام.
قال القاضى: قد أكثر الناس الكلام على هذه الأحاديث من علمائنا وغيرهم، فمن
(١): (٣) انظر: الاستذكار ١١/ ١٣٤ وما بعدها. (٤) فى س: قالوه. (٥) ساقطة من س. (٦) فى الأصل: لحج، والمثبت من س، المطبوعة. (٧) من س.