قال القاضى: وقال أبو عبيدة معناه: أنا أتولى جزاءه، إذ لا يظهر فتكتبه الحفظة، إذ ليس من أعمال الجوارح الظاهرة، وإنما هو نيةٌ وإمساك، فأنا أجازى (١) به من التضعيف على ما أحبُ. وفى قوله: " الصوم لى "، وتخصيصه بيان عظيم فضله، وكثرة ثوابه، ويدل عليه قوله: " أنا أجزى به "، وقال الخطابى: قوله: " لى ": أى ليس للصائم فيه حظ، قال: وقيل: إن الاستغناء عن الطعام من صفات الله تعالى، فكأنه يتقرب إلى الله بما يتعلق بِشبْهِ صفة من صفاته، وإن كان تعالى لا شبه له فى صفاته (٢). وقيل: فيه تخصيص الصوم وتشريفه بإضافته إليه تعالى، فقال كما قال: بيت الله، والكل لله تعالى، وقيل: " لى ": أى المنفرد [بعلم](٣) مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، كما قال: " وأنا أجزى به " قال: وغيره من الحسنات اطلعت على مقادير أجُورها، كما قال: " كل حسنة بعشرٍ أمثالها " الحديث، والصوم موكّل إلى سعة جوده وغيب علمه، كما قال تعالى:{إِنَّمَا يوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغِيْرِ حِسَاب}(٤).
وقوله: " لخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ": هكذا الرواية الصحيحة بضم الخاء، وكثير من الشيوخ يرونه بفتحِها. قال الخطابى: وهو خطأ، وحكى عن القابسىّ فيه الفتح والضم، وقال: أهل المشرق يقولونه بالوجهين.
قال الإمام: قال الهروى: يُقال: خَلُفَ فُوه: إذا تغير، يخلف خلوفًا. ومنه حديث عَلِىّ وسُئل عن قبلة الصائم قال: وما أُريك إلى خُلوف فيها، ويقال: نؤمة الضحى مخلفة للفم، أى مغيرة.
قال القاضى: قال صاحب الأفعال: خَلْفَ فوه وأخلف. وذكر مسلم من بعض الطرق: " لخلفةُ " وهو صحيح المعنى اسم ما خلف فى الفم، والخلوف مصدره. قال الباجى: قال البرقى: هو تغييرُ طعم الفم وريحه لتأخر الطعام، قال: وليس هذا على
(١) فى س: أجزى. (٢) انظر: أعلام الحديث فى شرح صحيح البخارى للخطابى، ب هل يقول: إنى صائم إذا شُتِمَ، حيث قال: أى خالص لى لا يطلع عليه أحد فيكون لنفس صاحبه منه حظ فيه ٢/ ٩٤٦. (٣) فى هامش س. (٤) الزمر: ١٠.