وقوله:" فأقبلت امرأة من الصعيد ": هو كل ما علا وجه الأرض، وهو هاهنا إشارة - والله أعلم - لأعالى الأرض، كأنها [تريد](١) عوالى المدينة، ومنه صعيد مصر، أى أعلى بلادها.
وقوله:" تقعقع "، قال الإمام: قال الهروى: أى كلما صار إلى حالةٍ لم يلبث أن يصير (٢) إلى أخرى تقرب من الموت، ولا يثبت على حالة واحدة، يقال: تقعقع الشىء إذا اضطرب وتحرَّك، ويقال: إنه ليتقعقع لحياة من الكِبَرِ. والشَنَّة القربة البالية.
قال القاضى: ليس معنى اللفظ هاهنا ما قاله الهروى وحكاه فى كتابه عن شمر عن خالد بن حسنة، ولا يسعده قوله:" كأنها فى شنة "، وإنما القعقعة هاهنا: صوت نفسه وحشرجة صدره به، ومنه: قعقعة الجلود والترسة والسلاح، وهى أصواتها، ألا ترى قوله:" كأنَّها فى شَنَّة "؟ فشبَّه صوت نفسه وقلقلته فى صدره كصوت ماء ألقى فى القربة اليابسة وحُرِّك فيها، ومن أمثالهم: لا يقعقع له بالشِّنان، أى لا يفزع بصوته.
وقوله فى حديث سعيد:" فأصابه فى غَشيَّةٍ " [كذا روايتنا فيه عن أكثر شيوخنا، بكسر الشين وتشديد الياء، وعند ابن أبى جعفر:" عَشْية "، (٣) بسكون الشين، وفى البخارى:" فى غاشية "(٤) فحمله بعضهم، وهو اختيار القاضى أبى الوليد الكنانى فيما أنبأنا به عنه الشيخ أبو بحر، أن معناه: من تغشاه من ألم، وأن كسر الشين وتشديد الياء صوابه، واعتضد بما ورد فى البخارى من رواية " غاشية " كما فى كتاب مسلم فى الحديث الآخر بعده: " فاستأخرَ قومُه من حوله حتى دنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان على هذا لا يصح رواية " غشية " بالتخفيف. وقد ذكر بعضهم هذا الحديث وقال فيه: " فى غاشية
(١) من س. (٢) فى الأصل: يصمد، والمثبت من س. (٣) سقط من س. (٤) ك الجنائز، ب البكاء عند المريض.