قال القاضى: قد ذكر مسلم هذا الحرف - أيضاً - فى حديث عطاء عن ابن عباس بعد هذا وقال فيه: " كففْتَ " مكان " تكعكعت "، وهما بمعنى متقارب، وقد علل فى [هذا](٢) الحديث كفَّه وتكعكعه عن أخذه بقوله [فى الحديث](٣): " فقصرت يدى عنه "، وفى آخر: " ثم بدا لى أن لا أفعل "، وقد يُجمع بين هذين اللفظين أنه بدا له لما تحقق أنه لا يناله، وانصرف رأيه عن ذلك.
وقوله: " ورأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً ": أى يأكله، وبه (٤) سميت الحطمة؛ لحطمها كل شىء ألقى فيهما، وأصله الكسر والفساد بعنف. والسوائب من قوله تعالى:{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ}(٥) كانوا ينذرونها فى الجاهلية، يسيبون نوقهم فتبقى سائبة لا تُمنع من رعى (٦) ولا ماء، ولا ينتفع بها.
وقوله: " يَجُرَّ قُصُبَه فى النار ": القصُبُ - بضم القاف - الأمعاء والخشاش - بفتح
(١) انظر: مشارق الأنوار ١/ ٣٤٤، وقال: وقيل تكعكعت رجعت وراءك، وهو بمعنى ما تقدم. قلت: ولم يذكر ابن عبد البر لها غير: أخنستَ وتأخَّرت. ثم قال: وقال الفقهاء: معناه تقهقرت، والأمر كله قريب ٣/ ٣١٨. (٢) ساقطة من س. (٣) سقط من س. (٤) فى س: ومنه. (٥) المائدة ١٠٣. المقصود بالآية هو عمرو بن لحى هو عمرو بن مالك، و " لحى " لقب له، وعمرو هذا هو أوَّل من غيَّر دين إسماعيل - عليه السلام - ونصب الأوثان، وبحَر البحيرة وأخواتها المذكورات فى قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَام}. والبحيرة كما فى البخارى: هى التى يمنع دَرها للطواغيت فلا يحلبها أحدٌ من الناس. والسائبة: كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شىء. الوصيلة: الناقة البكر تبكر فى أول نتاج الإبل بأنثى، ثم تثنى بعد بأنثى، وكانوا يسيبونهم لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر. والحام: فحل الإبل يضربُ الضراب المعدود، فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل، فلم يحمل عليه شىء، وسموه " الحامى "، البخارى، ك التفسير، ب سورة المائدة ٦/ ٦٨، ٦٩، وانظر: تفسير ابن كثير ٣/ ٢٠٣. (٦) فى س: مرعى.