أخَّرها حتى يقدر (١)، وحكى عنهم - أيضاً - إنما ذلك إذا لم يقدروا على صلاتها إيماءً، واحتجوا بصلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الخندق وبقوله:" شغلونا عن الصلاة "(٢) قالوا: ولو كان يجوز صلاتها كيف تهيأت لم يشغله ذلك عنها، والحجة عليهم أن صلاة الخوف إنما شرعت بعد ذلك، فهى ناسخة لكل ما تقدمها، واختلف بعد هذا من قال: يصلى كيف تيسّر عليه فى الطالب (٣)، مع اتفاقهم فى المطلوب. فمالك يسوِّى بينهما وجماعة من أصحابه، وقال الشافعى والأوزاعى وفقهاء أصحاب الحديث: لا يصلى الطالب إلا بالأرض، وهو قول ابن عبد الحكم، إلا أن الشافعى يقول: إن خشى الطالب كرّةَ المطلوبين وانقطع عن أصحابه، كان له أن يصلى إيماءً. وقال الأوزاعى نحوه إن كان الطالب قرب المطلوب صلى إيماء.
واختلفوا - أيضاً - فيما يباح له من العمل فى الصلاة فجمهورهم على جواز كل ما يحتاج إليه فى مطاردة العدو، وما يضطر إليه من مدافعته والمشى إليه، وقال الشافعى: إنما يجوز من ذلك الشىء اليسير والطعنة والضربة، فأما ما كثر فلا تجزيه الصلاة به، ونحوه عن محمد بن الحسن.
وقوله:" وُجَاهَ العدوِّ " بكسر الواو وضمِّها، مثل قوله: مواجهة العدوّ، أى مقابلته، كما قال فى الحديث الآخر:" وجوههم إلى العدو " وقوله فى الرواية الأخرى: " فى نحر العدوِّ " وبمعناه، أى فى مقابلته، ونحو كلِّ شىء أوله.
وقوله فى حديث جابر:" ستأتيهم صلاة هى أحب إليهم من الأولاد " كذا روايتنا عن شيوخنا، وعند بعضهم:" من الأولى " والصواب الأول، وكذا رواها ابن أبى شيبة:" وقال: هى أحب إليهم من أبنائهم "(٤). ورواه الدارقطنى (٥) من حديث عبد الرزاق كذلك وزاد. " وأنفسهم ".
(١) حكاه ابن عبد البر عن الأوزاعى. التمهيد ١٥/ ٢٨٢. (٢) الحديث سبق فى كتاب المساجد، ب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هى صلاة العصر (٣٦). (٣) والمراد بالطالب هو الذى يكون فى طلب العدو، سائراً خلفه ليقتله. (٤) المصنف ٢/ ٤٦٥، ولفظها فيه: " هى أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم ". (٥) فى السنن، ك الصلاة، ب صفة صلاة الخوف وأقسامهَا ٢/ ٥٩، وعبد الرزاق فى المصنف، ب كيف كانت الصلاة قبل صلاة الخوف ٢/ ٥٠٥.