{فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُم}(١)، ولم يطلبهم بزيادة على هذه الركعة فاقتضى ذلك كونها جملة فرضهم، وتأوَّلها مالك على أن المراد به فإذا سجدوا فى الركعة [الباقية عليهم وفرغت صلاتهم فليكونوا من ورائكم، ويرى أن المراد بسجودهم فى الركعة الثانية](٢) لا فى الأولى، ويرى الشافعى وأشهب أن المراد بقوله تعالى: فإذا سجدوا الركعة الأولى، ولكن يكونون (٣) من ورائنا [وهم](٤) فى الصلاة؛ لأنه لم يذكر أنهم من ورائنا مصلين أو غير مصلين، ويرى أبو حنيفة أن يكونوا " من ورائنا ": بمعنى يتأخرون إلى مكان الصف الثانى، ويتقدم الثانى ليسجدوا الثانية مع الإمام، وبعض هذه التأويلات أسعد بظاهر القرآن من بعض وبسط ذلك يطول (٥).
قال القاضى: وذكر مسلم فى الأم فى صلاة الخوف أربعة أحاديث، هى التى أشار إليها الإمام أبو عبد الله - رحمه الله -:
أولها: حديث ابن عمر: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى بإحدى الطائفتين ركعة والأخرى مواجهة العدو، - ثم انصرفوا وقاموا مقام أصحابهم مقبلين على العدو "، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم سلَّم فقضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة " وبهذا أخذ الأوزاعى وأشهب من أصحابنا وحكاه فى المعلم عن الشافعى. واختلف فى تأويله، فقيل: قضوا معاً، وهو تأويل ابن حبيب، وعليه حمل قول أشهب، وقيل: قضوا متفرقين، مثل حديث ابن مسعود، وهو المنصوص لأشهب.
وذكر حديث ابن أبى حثمة بنحوه، إلا أن فيه: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بالطائفة الأولى ركعة ثم ثبت قائماً فأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفَّوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة
(١) النساء: ١٠٢. (٢) سقط من الأصل، والمثبت من المعلم، س. (٣) فى المعلم: يكونوا. (٤) من س. (٥) يراجع فى ذلك بحثنا المنشور بحولية كلية أصول الدين، العدد العاشر، العام ١٤١٣ هـ، ١٩٩٣ م، تحت عنوان " مرويات صلاة الخوف عند أهل الرواية والدراية ".