قال القاضى: ذهب قوم من أهل العلم إلى أن حديث الإبراد ناسخ لما جاء بخلافه من صلاة الظهر بالهاجرة وما فى معناه (١)، وقال بعضهم: ليس بناسخ وإنما هى رخصة لمن لم يرد الأخذ بالأفضل (٢)، ومعنى الإبراد: التأخير بها عن الحر وشدته إلى أن يبرد النهار وتهب الأرواح، وتفى الأفياء.
وقوله فى الحديث:" فأنعم أن يُبرد بها ": أى بالغ فى الإبراد وأحسن، ونَعَم الشىءُ حَسن، وقيل: أبردوا، أى أدخلوا بها وقت البرد وهو آخر النهار؛ لأن حال ذلك
(١) فى ت: معناها. (٢) والذى يترجح لى - والله أعلم - أن هذا الحديث إنما جاء فى معرض شكاية المسلمين من أذى قريش، وأن معنى " لم يُشكنا ": أى لم يدع لنا ويتعجل رفع البلاء عنا. قال الإمام ابن كثير بعد أن ساق روايات هذا الحديث وعقب عليها بقوله: " إنهم شكوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يلقون من المشركين من التعذيب بحرِّ الرَّمضَاء وأنهم يسحبونهم على وجوههم فيتقون بأكفهم، وغير ذلك من أنواع العذاب فلم ينجزه لهم فى الحالة الراهنة، وأخبرهم عمن كان قبلهم أنهم كانوا يلقون من العذاب ما هو أشد مما أصابهم ولا يصرفهم ذلك عن دينهم " ثم قال: " فمن استدل بهذا الحديث على عدم الإبراد أو على وجوب مباشرة المصلى بالكف - كما هو أحد قولى الشافعى - ففيه نظر، والله أعلم ". البداية والنهاية ٣/ ٥٨.