حسبت التّقى والمجد خير تجارة … رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا
وإنّما اضطررنا إلى جعلها في الآية الكريمة للتّيقين لأنّ «أنّ» المخففة لا تقع إلاّ بعد تيقن، وافقهم اليزيدي والأعمش، وقرأ الباقون بالنّصب على أنّ «إنّ» النّاصبة للمضارع دخلت على فعل منفي ب «لا» و «لا» لا تمنع أن يعمل ما بعدها فيما قبلها من ناصب ولا جازم ولا جار، فالنّاصبة كهذه الآية، والجازم كقوله: ﴿إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ﴾ ﴿إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ﴾ (١)، والجار نحو: جئت بلا زاد، و «حسب» هنا على بابها من الظنّ، فالنّاصبة لا تقع بعد علم، كما «أن» المخففة لا تقع بعد غيره، وقد شذّ وقوع النّاصبة بعد يقين، والأكثر بعد أفعال الشّك النّصب ب «أن»، ولذلك أجمع على النصب في قوله - تعالى - ﴿أَحَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا﴾ (٢)، وأمّا قوله - تعالى - ﴿أَفَلا يَرَوْنَ أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً﴾ (٣) فالجمهور على الرفع لأنّ الرؤية تقع على العلم، والحاصل أنّ «أن» متى وقعت بعد ما ليس بعلم ولا شك وجب أن تكون النّاصبة، وإن وقعت بعد فعل يحتمل اليقين والشك جاز فيها وجهان باعتبارين: إن جعلناه يقينا جعلناها المخففة ورفعنا ما بعدها، وإن جعلناه شكّا جعلناه النّاصبة ونصبنا ما بعدها، والآية الكريمة من هذا الباب، وكذلك قوله - تعالى - ﴿أَفَلا يَرَوْنَ أَلاّ يَرْجِعُ﴾، وقوله ﴿أَحَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا﴾ لكن لم يقرأ في الآية الأولى إلاّ بالرفع، ولا في الثّانية إلاّ بالنّصب لأنّ القراءة سنّة متّبعة.