للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا بَعْدُ؛

فقد بلَغَني سَرَفُكَ في الدِّماءِ، وتَبْذِيرُكَ الأمْوَال، وهذا لا أحْتَمله لأحدٍ من النَّاسِ، وقد حَكَمتُ عليك (a) في القَتْل في العَمْد بالقَوَدِ، وفي الخَطَأ بالدِّيَةِ، وأنْ تَرُدَّ الأمْوَال إلى مَوَاضِعَها (b) ؛ فإنَّما المالَ مَالُ الله عزَّ وجلَّ، ونحنُ خُزَّانَهُ، وسَيَّان مَنْعُ حَقٍّ وإعْطَاءُ بَاطِلٍ، فلا يُؤمننَّكَ إلَّا بالطَّاعَة، ولا يُخيْفنَّك (c) إلَّا المَعْصِيَة.

وكَتَب في أسْفَل الكتاب: [من الطويل]

إذا أنْتَ لم تَتْرُكْ أُمُوراً كرهْتَها … وتَطْلُبْ رِضَاي في الّذي أنْتَ طَالِبُه

وتَخْشَى الّذي يَخْشَاهُ مثلُكَ هَارِبًا … إلى الله منه ضيَّع الدُّرّ جَالِبُه

فإنْ تَرَ منِّي غَفْلَةً قُرَشِيَّةً فيا … رُبَّما قد غصَّ بالماءَ شَارِبُه

وإنْ تَرَ منِّي وَثْبَةً أَمَويًّةً فهذا … وهذا كُلّه أنا صَاحِبُه

فلا تَعْدُ ما يأتيكَ منِّي فإنْ تَعُد … تَقُم فاعْلَمَنْ يَوْماً عليكَ نَوَادِبُه

فلمَّا وَرَدَ الكتابُ على الحَجَّاج وقرأهُ، كَتَب جَوَابَهُ:

أمَّا بَعْدُ؛

فقد جَاءَني كتابُ أَمِير المُؤْمنِيْن، يَذْكُر فيهِ سَرَفي في الدِّماءِ، وتَبْذيري الأمْوَال، فوالله ما بالغْتُ في عقُوبَةِ أهْلِ المَعْصِيَةِ، ولا قضَيْتُ حَقّ أهْلِ الطَّاعَة، فإنْ يَكُن قَتْلِي العُصَاةَ سَرَفاً، وإعْطَائي أهْل الطَّاعَة تَبْذِيراً، فليُمْضِ لي أَمِير المُؤْمنِيْن ما سَلَفَ، وليُحَدِّد لي أَمِير المُؤْمنِيْن فيما يَحْدُث حَدًّا أَنْتَهي إليه ولا أتَجَاوزُه.

وكَتَبَ في أسْفَل الكتَاب: [من الطويل]

إذا أنا لم أطْلُبْ رِضَاَك وأتَّقي … أذَاكَ فيَوْمِي لا تَوَارَتْ كَوَاكِبُهْ


(a) في الأصل: فيك، والتصويب من المصادر المتقدمة باتّفاقها جميعاً.
(b) ابن عساكر: موضعها.
(c) ابن عساكر: تؤمنك … تخيفك.

<<  <  ج: ص:  >  >>